15 - 05 - 2025

افتحوا النوافذ أمام نسيم الحرية

افتحوا النوافذ أمام نسيم الحرية

قبل أكثر من 30 عاما خضت حملة على صفحات صحيفة  "الأهالي" حول مشروع دخول شركة جنرال موتورز لشراء شركة النصر للسيارات، وجندت الجريدة وقتها كل قواها لدعم الحملة، التي امتدت لنحو عام وكشفت عن مافيا تريد بيع مصر، وعمليات سمسرة، ووسطاء منهم وزراء نافذين وعلى رأس وزارات سيادية.

وخلال الحملة دخل وسطاء لوقفها مقابل هدايا وسيارات، وتخصيص أراضي "مستصلحة"، إلا أن كل ذلك لم يثن الجريدة ولم يثنني عن مواصلة الحملة، والتي انتهت بانحياز الدولة وقتها لصالح النصر للسيارات، وصدرت قرارات وتعليمات رئاسية بوقف التفاوض مع جنرال موتورز، والإبقاء على الشركة ملكا للشعب المصري، والعمل على تطوير خطوط الإنتاج بالإمكانيات والخبرات المصرية.

صحيح أنه قد جرت مياه كثيرة في نهر صناعة السيارات، إلا أن الحملة الصحفية حققت نجاحا وانحازت الدولة للطريق الصحيح، انطلاقا من أن دور الصحافة هو توجيه الرأي العام نحو الصحيح، ودق أجراس الخطر للمسؤولين في حالة وجود سياسات منحرفة، أو خرجت على النسق العام لحقوق الدولة وسيادتها، وذلك على اعتبار أن العلاقة بين الدولة والصحافة، هي علاقة شراكة من أجل الوطن، بغض النظر عن كون الوسيلة الصحفية مملوكة للدولة أو خاصة، أو حزبية، فالجامع المشترك هو "مصر وشعبها وحمايتهما ".

لم تتأفف الدولة وتحرض علينا أحد وقتها، أو تجد ثغرات أو تسن القوانين لوقف الصحيفة، أو تشويهها، صحيح كان يوجد بعض التضييق، لكن كان هناك هامش مشترك مفتوح نتحرك فيه من خلال مسؤولية مهنية دون تجريح لأحد، أو الإساءة الشخصية لوزير أو خفير، بل التركيز على كشف أخطاء وانحيازات  الشخص بحكم وظيفته، ومسؤولياته، في هذا الوطن، ولم نتردد أن نذكر اسم وزير في عنوان، ونوجه له اتهاما موثقا، بأنه يُفرط في حق من حقوق البلاد.

الإيمان بحرية الصحافة أحد أهم مبادئ الدستور، بل أرى أن هذه الحرية هي أهم أدوات التنمية، واستقرار الدولة، ونموها، ومبدأ تعزيز الثقة في الأنظمة، والقناة التي تربط بين الشعب والدولة بمفهومها العام، كما أنه الجسر الذي تعبرّ به الأمم أزماتها.

ومن هذا المنطلق فإن أي تضييق على الصحافة المسؤولة يأتي بأضرار جسيمة على الدولة، وحتما يدرك الجميع ذلك، فأحد أهم المبادي الخاصة بنظرة العالم للدولة، وأي دولة، هو حرية الصحافة والإعلام، والصورة الإعلامية فيها، إلا أن هناك من يقف بالمرصاد ضد هذا، ويرتكب الكثير من الحماقات في حق الدولة، من خلال أفعال تمس حرية الصحافة والإعلام.

والمؤكد أيضا هناك مسؤولية على الصحافة والإعلام في حماية الدولة، ولسنا ملائكة طبعا فيما نقول ونكتب، لكن المسؤولية تحتم علينا أن نضع مسؤولية الدولة وحقوق المواطن فيما نكتبه، ونرصده، ونقوله، ويقينا فإن الصحفي والإعلامي المسؤول يدرك هذا جيدا، ويضع نصب عينيه معايير مهنية ومصالح الوطن فيما يكتب.

وفي المقابل الدولة عليها أن تدرك أن العمل في الصحافة والإعلام ليس رفاهية، بل يضع نفسه من يعمل فيهما على خط المواجهة، والتي قد تصل في بعض الأحيان إلى مواجهة الموت، والأذي، لأنه كثيرا ما يواجه الخارجين على القانون واللصوص والمرتشين، والذين يمقتونه، لأنه عدوهم الأول، والعلاقة هنا تصل إلى العداء، وتتطور إلى المواجهة على "حد السيف"، ومواجهة طلقات النيران.

أتذكر هذا جيدا في العديد من التغطيات الصحفية التي قمت بها، باحثا عن الحقيقة في قلب عروش الفاسدين ومافيا الأراضي في ربوع مصر، وفي المظاهرات والإضرابات، بخلاف تغطية الحروب، فالصحفي يحمل كفنه على يديه، ورغم ذلك يصر باحثا عن الحقيقة، من أجل مهنة اختارها ودفاعا عن حقوق مواطنين والوطن الذي يعمل فيه.

أعتقد أن الرسالة واضحة لهؤلاء المستكتبين للقوانين واللوائح والقرارات، عليكم أن تدركوا أن التضييق على الصحافة سيصيبكم لهيبه، وستتحملون مسؤولية تاريخية أمام الشعب والوطن، وسيأتي يوم ستتم فيها المحاسبة.. فافتحوا النوافذ ولا تغلقوها لتستنشق نسيم الحرية، بدلا من أن يتحول إلى عواصف تقتلع الجميع.
------------------
بقلم: محمود الحضري

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | ثقوب مميتة من حادث غاز الواحات والبنزين المغشوش