لا أعرف تحديدا ما الذى دار فى عقل الأستاذ مكرم محمد أحمد رئيس المجلس الاعلى للإعلام وهو يصدر لائحة الجزاءات!؟ هل كان يهدف لتصدر المشهد وإظهار العين الحمراء للصحفيين والإعلاميين، فيدخل جميعهم الجحور فلا يسمع لصوت معارض ولايسمح لقلم يهاجم ويناويء ويحتج ويرفض، ويعبر عن رأيه بحرية!.
هل كان يهدف لذلك فأشهر لائحة الجزاءات لردع كل من تسول له نفسه بالنقد أو حتى إبداء وجهة نظر مخالفة؟ هل يفعلها مكرم الآن بعدما وقف بقوة من سنوات أمام إصدار قانون 93 المشبوه الذى إستهدف حرية الصحفى وأمنه، ولم يتخل عن الجماعة الصحفية التى تصدت بشراسة وجرأة وصمود حتى تم إلغاؤه. دافع مكرم وقتها عن حرية الصحفى ومن المؤكد أنه كان يعتبرها خطا أحمرلايجوز المساس بها ولا المساومة عليها..فما الذى جرى؟!
هل هى قناعته التى يعلنها دوما أن هناك ظرف إستثنائى وخطير، تمر به الدولة وأن مايهددها من إرهاب يحتم مثل هذه الإجراءات؟ لكنه نسى أن خطر الإرهاب وإشتعال جذوته لم تمنعه من تبنى فتح الحوار مع قيادات الجماعة الإسلامية، ودفعها لإجراء مراجعاتها الفكرية التى إعتبرت وقتها إنجازا وفتحا مبينا!.
من المؤكد أن مافعله كان بيقين أن الرأى لايمكن قمعه بالرصاص وإنما يواجه بالرأي، وأن الفكر حتى وإن بدا منحرفا مشوشا فلايمكن إعادة تأهيله إلا بالفكر.. وأن سلاح الكلمة أقوى من رصاص الجهل والعنف والإرهاب وأقدر على مواجهته وشحذ الهمم للتصدى له والأهم حماية العقول ووقايتها من أن تصيبها نيران تلك الدعاوى والأفكار المسمومة!
فما الذى جرى؟؟ هل هى رغبة فى رد الإعتبار والثأر مما قام به بعض الصحفيين المحتجين على موقف مكرم المناهض لثورة يناير تجاهه؟.. جرأة الشباب واندفاعهم وغضبهم وحدتهم ظلت محفورة لسنوات وأسرها فى نفسه حتى جاء وقت القصاص والثأر، فجاءت لائحة إعدام كل الصحفيين بعد يوم واحد من انتخابات النقابة لتبدو وكأنها ضربة متعمدة تهدف القفز على المشهد والتأكيد أن هناك قوة أكبر من تلك التى تتوهمونها وأكثر قدرة على محاسبتكم وردعكم.
هل هى رغبة فى إعلان مزيد من الولاء للنظام؟! لكن هل يجب أن يكون ذلك على حساب حرية الصحافة وأمن الصحفيين؟ ينكر مكرم أن لائحة الجزاءات مخالفة للقانون والدستور، وأن من يرفضها مجموعة من العواطلية .. "فاضيين ومش فاهمين" ويعتبر أصواتهم المعترضة مجرد "جعجعة".. وبالرغم من أن هذه الإتهامات يمكن أن تعرضه شخصيا للمعاقبة وفقا للائحة الجزاءات التى تنص على معاقبة كل من سمح أو إستخدم عبارات سوقية أو تعبيرات غير مفهومة أو إيماءات أو إشارات من شأنها إهانة جهة أو شخص ما، أو كانت تنطوى على تهكم أو سخرية أو تهديد، أو تؤذى مشاعر المواطنين بغرامة لاتقل عن 25 ألف جنيه ولاتزيد عن 250 ألفا!.
مواد كثيرة مفخخة قابلة للإنفجار فى وجه أى صحفى وإعلامي، وتهديده بعقوبات على إتهامات فضفاضة حمالة أوجه يمكن توظيفها والتلاعب بها للنيل من كل صحفى بكل سهولة.. وتعطى الحق المطلق للمجلس فى حجب المواقع ووقف بث البرامج ومنع نشر وحجب الصحف تحت دعوى المحافظة على المصلحة الوطنية والحفاظ على مقتضيات الأمن القومى!
الحقيقة التى لايمكن أن ينكرها أحد أن لائحة الجزاءات التى أصدرها المجلس الأعلى للإعلام هى سيف مسلط على رقاب الصحفيين والإعلاميين، يعد عليهم أنفاسهم ويقيد حريتهم ويئد اصواتهم، ويحول الصحف ووسائل الإعلام لمجرد صفحات وبرامج بلا معنى ولامضمون، لاتجذب قارئا ولامشاهدا! وكأنه لا يكفى المجلس تلك الردة والإنهيار والفشل الذى آلت إليه صحفنا وقنواتنا الفضائية، بعدما فقدت مصداقيتها وقوتها وتفوقها، وأصبحت نسخا مكررة رديئة بلا معنى وصوت واحد مثل بغبغاء مزعجة لاجدوى منها ولا نفع، فجاءت اللائحة بمثابة إعلان رسمى لموت إكلينيكى للإعلام المقروء والمرئى، وإن كان البعض مازال يعلق أملا على صحوته ونجاته ويجاهد لينتزع قدرا من الحرية علها تعيد إليه بعضا من روح.
ربما تبدو المعركة هذه المرة صعبة ويبدو التربص قويا وشرسا وسريعا يشى برغبة محمومة فى بسط السيطرة وإظهار القوة، لكن من المؤكد أن النصر فيها سيكون للإعلاميين، لو تمسكوا بحقهم ودافعوا عن حريتهم وحقهم فى البقاء ورفض إعلان وفاتهم بلائحة الإعدام البغيضة.
-------------------
بقلم: هالة فؤاد