هتاف علت به حناجر البسطاء، الذين تم استبعادهم من جنه وزير التموين، (بطاقات التموين)، والذين يجدون ما يسدون به رمقهم بالكاد.
هكذا تم استبعاد أولئك البسطاء، بمجرد قرار، دون النظر لتبعات ذلك القرار على تلك الأسر البسيطة، ولا أعرف حقيقة ماذا تريد الحكومة من شعب مصر، ولا أعرف إلى متى سيظل يعانى المواطن المصري، من قسوة الحكومة عليه، وإحقاقاً للحق لم تكن حكومتنا الموقرة، هي الحكومة الوحيدة التي قست عليه، فلم يحدث أن جاءت حكومة من قبل، رفقت بذلك الشعب العظيم الذي تحمّل، ولا يزال يتحمّل ما تنوء الجبال عن حمله، لكن تنفرد حكومتنا الموقرة، بأنها أكثر الحكومات قسوة على هذا الشعب.
والأسئلة التي تفرض نفسها الآن هي.. ماذا قدمت الحكومة لشعب مصر؟! هل خفّفت أي شيء عن كاهله؟! إطلاقاً. هل حققت العيش الرغيد الذي وعدت به؟ على العكس لقد ضاعفت الحكومة، من هموم المواطن فسارعت لرفع أسعار كل شيء دون استثناء.. فرفعت أسعار الوقود، والكهرباء، والغاز، والمياه، والدواء، والضرائب، وتذكرة المترو، ورسوم استخراج البطاقات، والرخص، ومختلف أنواع الشهادات الرسمية، حتى رغيف العيش لم يُستثنى من ذلك، فخرج الناس هاتفين.. (عايزين عيش).
ألا تشعر حكومتنا بالحرج أبداً من المواطن، الذي يعد هو الممول الرئيسي، والأكبر لموازنة الدولة من جيبه؟!
ألا يستحق ذلك المواطن، أن يشعر بقليل من الرغد، أو على الأقل أن يجد رغيف العيش دون مشقة؟!
هل يُعقل أن تظل الأسعار، في تزايد مستمر دون أن يقابلها، أي زيادة منذ عدة سنوات في المرتبات، وأقصد هنا بالزيادة هي.. الزيادة الملائمة، والمناسبة لمواجهة جحيم الأسعار، ولا أقصد بالطبع الزيادة الزهيدة، التي لا تكفى حتى لشراء 2 كيلو جرام من اللحم، فتلك زيادة هي، والعدم سواء.
أرجو ألا أجد من يقول.. أن مواردنا ضعيفة، وظروفنا صعبة، وذلك الكلام الذي نسمعه منذ عقود طويلة، ولم يَعد العقل، والمنطق يقبلانه.
ولكل من سيقول مثل ذلك الكلام العتيق، أقول له..
ألم تستمع إلى قول الله عز وجل، على لسان سيدنا يوسف عليه السلام.. بسم الله الرحمن الرحيم "قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم" صدق الله العظيم
إذا فقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى أن خزائن، وخيرات الأرض في مصر!!
أي أن بلادي بها كل خيرات الدنيا، وأن مواردها غير محدودة، وغير عادية، بل هي تفيض عن حاجتها بكثير، إذن مقولة مواردنا محدودة، هي محض افتراء غير مقبول. فلا تتوقع منى أن أُصّدق أي كلام بعد قول الله عز وجل.
فإذا كانت تلك هي مواردنا فأين المشكلة؟!
المشكلة تكمن فيمن لا يمكنه الاستفادة، من تلك الموارد الهائلة، التي لا حصر لها، و فيمن لا يعرف أن يحد من أوجه الإنفاق، ولا يعرف أي حلول اقتصادية، إلا من جيوب، ومرتبات المواطنين فقط، وعلى ذلك فالمشكلة تكمن في حكومتنا، التي لا تُجيد إلا رفع الدعم، والاستحواذ على ما تبقى من قروش زهيدة، في جيوب الفقراء.
وهذا ما يُنذر بعواقب خطيرة، حذّرت منها مراراً، وتكراراً.. لكن حكومتنا كالعادة، لا تستمع لأي نصيحة مخلصة أبداً.
وإلى حكومتنا الموقرة، أهدي إليها تلك القصة، علها ترأف بحال العباد، ويأخذها الخوف، والخشية من حساب، وعقاب الله.
سار الخليفة العادل، أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضوان الله عليه على قدميه هو، وصاحبه حتى رأى من بعيد في الصحراء ناراً موقدة، فسار إليها ليتقصّى عن شأنها، ويعرف صاحبها، وعندمـا وصل إليها، وجد سيدة تجلس أمام النار، واضعة عليها قدر كبير، وأطفالها حولها فإذا به يسمع أحد أبنائها يقول: أمي .. أمي.
فسألته قائلة: نعم يا بني.
فقال بصوت واهن: أنا جائع يا أمي أريد أن آكل شيئاً.
كذلك قاله أخيه الثاني وزاد عليه بقوله: إني أكاد أموت.. أرجوك يا أمي هل حضر الطعام؟
منذ زمن ونحن ننتظر.
وقال الثالث: متى ينضج طعامنا.
فقالت الأم بقلب ينفطر حزناً، وهى تعلم أنها لا تملك شيئاً: قريباً يا أحبتي فقط صبراً جميلاً، والله سيرزقكم طعاماً طيباً.. ألا تصبرون يا صغاري؟!
فسكت الأبناء وعادوا إلى الصبر مجدداً.
بينما الخليفة العادل وقف منهاراً، لا تكاد قدماه تحملانه لما رأى، وقال بعطف، وعيناه تفيضان من الدمع، و قلبه امتلأ أسى وحزناً: يا أم الأطفال ما هذا القدر.
فقالت، وهى لا تعرف من هو: يا هذا إن أطفالي قد اشتد بهم الجوع، وليس عندي من الطعام ما أقدمه لهم، فوضعت ماءاً في القدر، ووضعت فيه بعض الحصى، ووضعت القدر على النار، وليس فيه سوى الماء والحصى، وأنا أشغل الأطفال حتى يناموا جوعي.
فقال لها رضي الله عنه: مما تشكين يا آمة الله؟
فقالت له: الله.. الله في عمر (أي أنها تشكو عمر إلى الله)
كان لوقع تلك الكلمات، على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقع الصاعقة
فقال لها: وما شأن عمر يا أمة الله؟
فقالت: أيتولى أمرنا ويغفل عنا ونحن شعبه ورعيته؟!
انفطر قلبه، وأسرع إلى بيت مال المسلمين، وهو يقول للمرأة: لا تحزني يا آمة الله لن ينام أطفالك اليوم إلا، وقد شبعوا.
دخل إلى مخازن الدقيق، واختار منه كيساً، وقال للحارس أحمل علي هذا الكيس.
فسأله الحارس: أعنك أم عليك يا أمير المؤمنين؟
فقال له رضي الله عنه: احمل علي الكيس، فلست أنت من سيحمل ذنوبي يوم القيامة، لو سألني ربى عن أم (الأيتام).
وأنطلق مسرعاً نحو المرأة وأطفالها، وجلس وطبخ لأطفالها، وأطعمهم.
وما أكثر مثل هؤلاء الأطفال في بلادي الآن.
أعتقد بعد تلك القصة الرائعة، عن الخليفة العادل، الإمام الفاروق، عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأرضاه لا يوجد ما يقال بعد ذلك، إلا أن نقول..
اللهم حكومة تقتدي.. بالخليفة العادل..مُعز الإسلام.. عمر بن الخطاب.
--------------
بقلم: مـحمــد نـــور
رئيس النادي الثقافي للمبدعين المصريين