19 - 04 - 2024

هل سنترك لأحفادنا تراثا؟

هل سنترك لأحفادنا تراثا؟

يبدو التساؤل وكأنه غريب يثير شجون لدى الأجيال الحالية، هذه الشجون تأتي من وله بالماضي، وأمل في المستقبل، لكننا في حقيقة الأمر نعتز بماضينا حتى القريب منه، ليبقى السؤال محل نظر، لماذا لن نترك تراثا للأجيال القادمة؟

في جيلنا إذا نظرنا هنا وهناك سنجد أن المصريين لديهم تساؤل أعمق، هل الفنون والآداب محل اعتبار ونظر جدى، أم أنها صارت سطحية كشاشة الهاتف المحمول الذي نتلقى منه اليوم معارفنا.

وبالتالي فنحن على الصعيد العام صار القبح والجمال متساويين، لأن القبيح صار هو الغالب على المشهد فليس هناك حوار جدي ولا فكر عميق ولا نظر وتأمل للمشهد العام، خذ على سبيل المثال التماثيل في الميادين التي شوهت المشهد العام، ولولا تماثيل نصبت في عهد الوزير فاروق حسني مثل تمثالي نجيب محفوظ وطه حسين تعلن أننا في بلد المعايير الجمالية فيه ضائعة، وهذا استثناء أيضًا، على صعيد آخر قارن بين بناية دار القضاء العالي في وسط القاهرة ومجمع المحاكم والنيابات في القاهرة الجديدة ستكتشف على الفور الفارق البين بين ما شيد في أعقاب ثورة 1919 وما شيد منذ سنوات قليلة.

أنظر إلى هذا الحوار المعماري في القاهرة الذي كان يعكس، رؤى وفلسفة المجتمع، بين ضريح سعد زغلول الذي شيد على النمط الفرعوني معبرا عن فكرة مصر للمصريين، وبين بناية نقابة الأطباء التي شيدت على الطراز الإسلامي الحديث باحثة عن عمق الحضارة الإسلامية في مجتمعنا.

والسؤال هنا ما ستترك من تراث أدبي وفكري ومعماري؟ إذا نظرت هنا وهناك ستجد نذرا يسيرا يعد على أصابع اليد، فالسطحية ظاهرة في واجهات البنايات، دقق النظر في أحد الفنادق التي شيدت حديثا على كورنيش الإسكندرية ليحل محل أحد الفنادق التاريخية، الواجهة والبناية لا تنم عن شيء يذكر وليست علامة مميزة، وإلا لتسابقت عليها وسائل الإعلام لتكون في خلفية المشهد.

إن هذا يجعلنا أن نطرح ضرورة استدراك الأمر، فالبنية المعرفية لمجتمعنا باتت في حاجة إلى مزيد من العمق، هذا ما ينعكس في كون العلم ليس أحد الموضوعات المتصدرة للمشهد، فلا أحد يسأل أين الفلسفة في المجتمع المصري، بل يعبر عن هذا طوابير في معارض الكتب كتب وروايات بلا مضمون، وهذا ما يشكل وهم القراءة، ووهم الأكبر مبيعًا.

على جانب آخر ، تمنح الأحياء في المدن تراخيص البنايات غير معنية باشتراطات الواجهات من الناحية الجمالية، فذاع القبح في شوارعنا، بل إن مخالفات البنايات جعلت القبح سمة عامة، إن إنشاء عمارة سكنية قبيحة بناء سيستمر في ذاكرتنا البصرية، بينما لو ألف كتاب أو رواية أو ديوان شعر دون المستوى سيندثر بمرور الوقت، لذا فقبح البناء أبشع من قبح الإنتاج الفكري.

إذا أردت أن تعرف الأمر عن قرب أنظر إلى شارعك أو حيك، تعالى معي لنتأمل مدينة نصر، إذا حذفنا منه النصب التذكاري حيث دفن السادات، لا معلم واضح وبارز، حتى الجمعية التاريخية انزوت على نفسها وحاصرها سوق للخضار والفاكهة، بل ستضحك معي حين تعلم أن التجمع الخامس أو القاهرة الجديدة بلا معالم أو شخصية معمارية واضحة، أقرب إلى المسخ يغريك تنظيمه لكن لو دققت النظر لن تجد فيه شيئًا ذا معالم ماعدا الجامعة الأمريكية، ومن المدهش أن كلا من مدينة نصر والقاهرة الجديدة، بلا مكتبات عامة أو قصور ثقافة كأنهما تعبران عن الرأسمالية المتوحشة، بلا مجتمعات لا تقيم للثقافة والعلم وزنا ولا قيمة، فلم نجد يوما من يسأل من خططوا مدينة نصر والقاهرة أين نصيب المواطن من هذا؟

والمدهش أن سكان مدينة نصر والقاهرة الجديدة لا يسألون أيضا، ولذا ليس من الغريب أن يتوطن التطرف الفكري بهما، هل رأيت يوما مسرحا عاما في مدينة نصر، أو في القاهرة الجديدة؟ لا يوجد، أو قاعات للفنون؟ لا يوجد، أو ميدان به تمثال أو عمل فني لفنان متميز؟ لا يوجد.

ويبقى السؤال إذا هل سنترك لأحفادنا تراثا؟
--------------------
بقلم: د. خالد عزب

مقالات اخرى للكاتب

عن مستقبل الدوريات التاريخية العربية





اعلان