25 - 04 - 2024

لا بأس.. ولكن

لا بأس.. ولكن

جميل أن تحتفى جماعة الإخوان بالذكرى المئوية لثورة 1919 "الليبرالية" تحت عنوان "مئة سنة ثورة"، لكننى لا أفهم كيف يمكن التوفيق بين مشروع الثورة الذى تتبناه الجماعة وتدعو إليه وبين مشروع ثورة 1919 الذى تحتفى به وكأنهما مشروع واحد؟!

يبدو أن الجماعة - وأنا أتحدث هنا عن كوادرها التنظيمية - تعتمد على ضعف أو هشاشة ذاكرة المصريين التاريخية، أو على عدم وعى المصريين أصلاً بالفروق السياسية الجوهرية التى تفصل بين مشروع حسن البنا ومريديه وبين مشروع سعد زغلول ورفاقه.. كم كنت أرجو أن تبين لنا الجماعة - من باب الشفافية والأمانة الفكرية والتاريخية - ماذا كانت أفكار ومواقف حسن البنا من ثورة 1919 "الليبرالية"، ولماذا ناصبها وناصب رموزها السياسية العداء؟!

دعونا لا نفقد توازننا تحت وطأة الصدمات التاريخية فنغفل عما كان من أمر العلاقة الصعبة بين المشروعين: لقد كان الشعار الأثير لحركة الإخوان المسلمين التى دشنها حسن البنا هو "القرآن دستورنا، والرسول زعيمنا، والموت فى سبيل الله أسمى أمانينا" ... لا بأس بطبيعة الحال من رفع هذا الشعار النبيل طالما بقى معبراً عن معانيه الدينية لا يتجاوزها إلى معان سياسية، وطالما كان لا يوظف هذا الشعار الدينى لتبرير خصومات سياسية، بل وخصومات وجودية؛ فأى مسلم لابد وأن يتخذ من القرآن الكريم دستوراً "دينياً" له، وأن يؤمن بالزعامة "الدينية" للرسول عليه السلام، وأن يتمسك بدينه إن هو فُتِنَ فيه حتى وإن مات شهيداً فى سبيل التمسك به .

بيد أن هذه المعانى الدينية النبيلة لم تكن ما قصد حسن البنا وتنظيمه من رفع هذا الشعار الدينى البراق، إذ أراد الرجل لأتباعه بهذا الشعار أن يتخذوا من القرآن دستوراً "سياسياً" لهم، وألا يعترفوا بالدستور "المدنى" الذى جاءت به "ثورة 1919 الليبرالية"، كما أراد لهم ألا يعترفوا بزعامة سعد زغلول للأمة التى رفعت شعار "لا زعيم إلا سعد"، بل هو لم يعترف بمفهوم الأمة الذى عبرت عنه ثورة 1919 الليبرالية، ولا حتى بمفهوم الوطن الذى أوحى بهذا الهتاف الذى كان يردده المصريون أثناء الثورة، وأعنى به "نموت .. نموت .. وتحيا مصر !"؛ فالوطن عند حسن البنا كان هو العقيدة، لا حفنة من تراب يرونه عفناً؛ والأمة عنده كانت هى الأمة الإسلامية لا الأمة المصرية متعددة الديانات والثقافات ! ... ومرة أخرى، لا بأس من الحديث عن الأمة الإسلامية حين تكون القضية المثارة قضية دينية، أما حين تكون القضية سياسية فلا معنى أصلاً لأن نقحم فيها المسلم الماليزى وأن نستبعد منها المسيحى المصرى !

للمرة الثالثة أو الرابعة، لا بأس فى أن يغير التنظيم أيديولوجيته، وأن ينأى بنفسه عن أفكار حسن البنا التى تسببت فى تشوه الحياة السياسية المصرية لأكثر من تسعة عقود، لكن هذا الارتداد السياسى يحتاج إعلاناً بأن مثل هذا التحول عن أفكار المرشد المؤسس قد حدث، وهو ما أتشكك فيه ! ... يبقى من حق التنظيم أن يحتفظ بأفكاره التى قام عليها طالما تقبل نقدها كما ينقد هو أفكار غيره، ولكن دون أن توظف الجماعة الذكرى المئوية لثورة 1919 من أجل الإيهام بأن مشروع الجماعة الثورى هو امتداد للتاريخ الثورى المصرى، فإن مثل هذا الادعاء لا يتفق مع الأمانة التاريخية، ولا هو يليق براية الدين التى ترفعها الجماعة ولا بشعارات الأخلاق التى ترددها !!

كل 100 سنة ومصر حية وعفية رغم كل المحن ... وكل 100 سنة وهى عصية على من يسعون لاقتحام حصونها العقلية والوجدانية !
----------------
بقلم: د. حازم حسني

مقالات اخرى للكاتب

أسئلة الطريق





اعلان