كل أحداث هذا المقال إنما هى من ضرب الواقع ، وأى تشابه بينها وبين الخيال إنما هو من قبيل المصادفة ، لذا وجب التنويه.
..................
المرأة مغرقة فى التفاصيل .. والرجل مغرق فى الفواتير:
ربما كان الحديث حول جدوى (مفرش السرير) هو أول صدام يحدث بينى وبين زوجى بعد الزواج .
ورغم أننى لا أؤمن بذلك المفرش الساتان الأبيض ذى الكرانيش الكثيرة التقليدى للعروس، فقد كان المفرش الذى إخترته مفرشا يميل إلى الرزانة والكلاسيكية، ومع ذلك كان زوجى يشده بإزدراء ويلقيه بقرف شديد ولم يكن ينقصه إلا أن ينهال عليه ضربًا بالحذاء، رغم أننى كنت حريصة أن أقسم له بأغلظ الأيمان (وربنا باشمسه ياخويا كل يوم متخافش مافيهوش براغيت)
إلا أنه ظل على موقفه حتى سألنى يوما من باب الفضول عن سعره، كنت أظن أن معرفته بثمنه قد يرفع ذلك التوتر بينهما ويجعله يحظى بقدر من الإحترام والتبجيل لدى الرجل، إلا أن ذلك لم يحدث ، لقد إشتد حنق زوجى عليه وعلى أهلى الذين دفعوا مبلغا كهذا فى ذلك الحقير وأنهم لو أحبوه حقا لأهدوا إليه (أربع فرد كاوتش للعربية بدله) على حد قوله ، ثم إحتضن بوز اللحاف بمودة بالغة وراح فى سبات عميق.
حسنا، أقر أننى مغرمة بالأنتيك، وكل ماله علاقة بديكور المنزل ولكن للأسف الشديد زوجى ينفر من الفازات واللوحات كما لو كانت أوثانا أطلب منه أن ينحنى لها منشدا: نحن غرابا عك عك .
ولا أنسى ذلك اليوم الذى قررت فيه أن أشترى لوحة مطرزة تطريزا يدويا فريدا، يومها أخذ يقلب النظر بين اللوحة وبين السعر المكتوب عليها وهو مشدوه، بينما رحت أنظر إليه بتوسل واستعطاف قائلة: والله أنا اللى حادفع، أرجوك ، إستنى بس أما تتعلق حتغير رأيك ... إلخ
وعندما شعر بحجم الأسى الذى بدأ يعترينى وافق وهو فى حال يرثى لها، ولكنى لا أنسى كذلك، نظرة الإنبهار التى بدت على وجهه حين فاجأته ووجدها معلقة أمامه على الحائط بواسطة ماسورة نحاسية قَيِمَة من تلك التى تُسْتَخْدم فى تعليق الستائر .
أخذ يجول بنظره فيها متأملا، فسألته بحماس: إيه رأيك يا حبيبى؟ تجنن مش كدة؟
رد مزبهلًا: حاسس إنها خيشة متعلقة على عصاية غلية.
--------
المرأة هشة والرجل باشا:
يمكننى الإدعاء بمنتهى الأريحية وراحة الضمير أن زوجى، حين يتعلق الأمر بمباريات كرة القدم، لن يتردد فى أن يحشرنى فى غسالة الملابس الأوتوماتيكية ويوصد بابها جيدا ثم يقوم بتشغيلها على برنامج (العصر) إذا كنت سأشغله بطريقة أو أخرى عن التركيز فى المشاهدة.
ذات يوم تركته أمام التلفاز و قررت أن أرتب رفوف المطبخ العلوية .
إستعنت بالسلم المنزلى، وصعدت درجاته حتى أتمكن من الترتيب .
فجأة سمعت زوجى يصرخ بصورة هستيرية.
فى لحظة واحدة دب الخوف فى أوصالى و إختل توازنى، ناديته بأعلى صوتى، فلم يسمعنى فتعلقت بضلفة الدولاب فى محاولة يائسة للنجاة، ولكنها للأسف إنخلعت من مكانها، فوَقَعْت بينما وَقَعَت هى فوق نافوخى، وقبل أن أفقد وعيى سمعت زوجى يصرخ بغيظ: ما تشوط يا أخى، جتك داهية فى شكلك .
--------------
المرأة دِلْعَة ، والرجل مضبوط:
من باب الإنصاف يجب أن أعترف أن الرجل متساهل ويتمتع بذاكرة الذبابة، بينما لا تنسى المرأة للرجل أنه قد تسبب فى دخول الذبابة إلى حجرة نومها ولو فات على ذلك الحدث عشرات السنين .
ولكن عندما يتعلق الأمر بالطعام، فزوجى لا يتسامح ولا يتهاون حتى لو كلفه الأمر أن يلجأ إلى محكمة الأسرة لتحكم بيننا فى أمر طاجن العكاوى (محل النزاع).
لقد كان هذا اليوم صعبا للغاية، فقد بذلت مجهودا فائقا كى أعد تلك الوليمة، أخذ زوجى يتناول الطعام فى صمت وسكون، بينما رحت اتأمله وقد إعترانى القلق، فرحت أردد فى نفسى أغنية ذلك الإعلان الشهير: هيوقفوك و ييئسوك ويحبطوك ويكسروك .. خليك دايما جامد ..... إلخ، وقبل أن أصل إلى مقطع: تقدر تطير من غير جناحات، وجدت زوجى يقول لى: المحشى...
فقلت مقاطعة بتحفز: ماله ؟ دا أنا عملهولك صوبع صوبع.
رد زوجى متأففا: ملحه قليل ليه؟
فأطرقت ولم أجب، فإذا به يسألنى ثانية، فلم أرد، فسأل للمرة الثالثة، فأجبته بحدة: الملح قليل ، أوك غَيٌرْ، قول حاجة تانية .
فأجاب: قليل ليه الملح؟
أجبت بنفاد صبر: جملة (الملح قليل) دى ملاحظة، مش سؤال، وأنت قلتها بالفعل أربع مرات، وفى إعتقادى انها فرض كفاية، يعنى لو راجل تانى قالها لزوجته، يبقى خلاص سقط عنك الفرض، المحشى ملحه قليل، اممممممم تفتكر مثلا ليه؟ باوفر فى الملح؟
ثم بَدٌلْت ملامحى وأنا أقول بشراسة: على فكرة آخر راجل قال لزوجته الملحوظة دى، الله يرحمه بقى ويحسن إليه، مات مقتول بعد ما إستنفد مرات التكرار، تقدر تتابع قصته براحتك على صفحة الحوادث.
--------------------
المرأة تحب حليم والرجل حافظ :
لم أر فى حياتى أحدا يحب العندليب الأسمر، بقدر حب زوجى له، إنه يستطيع أن يحدد الأغنية التى سيشدو بها حليم بعد ثوانٍ من إستماعه للمقدمة الموسيقية .
لدينا فى البيت جميع أغانيه بل وكتاب يحكى قصة حياته .
أنا أيضا أعشق حليم ولا أَمِل الإستماع إليه، ولكن ما كان يحيرنى حقا، هو سر شغف زوجى به لهذه الدرجة، رغم أنه إنسان عملى لا تشغل الرومانسية شغاف قلبه، فهو ولا فخر (عنده برود أعصاب إسم الله ، ولا جراح بريطانى).
سألته يومًا عن سر تعلقه به بهذا الشكل، فأجابنى بحماس شديد: عبد الحليم دا مدرسة، شخص عصامى، بدأ من الصفر ونجح رغم فقره ومرضه ونشأته فى ملجأ للأيتام، وحقق نجاحا وثروة ماحدش سبقه ليها .
نظرت إليه ببلاهة وقد فغرت فاهى لا إراديا وأنا أقول: هو دا اللى خلاك تحبه! طب جرب تسمع المهندس عثمان أحمد عثمان، عصامى برضه، صدقنى حتنبسط أوى.
--------------
الرجل يهتم بدراسة الجدوى، والمرأة لا جدوى لها :
لا أخفى أننى كنت حزينة لفكرة فراق زوجى الذى عقد النية على السفر لأداء مناسك العمرة .
أمسكت يده بحنان وأنا أوصيه أن يدعو لى بالشفاء من الصداع الذى كان ملازما لى، ولمعرفتى جيدا بطريقة تفكير زوجى العزيز، قلت له مشجعة: خد بالك أى دعاء حتدعيه ليا مش حيروح عليك، الملايكة حترد وتقول: ولك مثل هذا .
هرش زوجى رأسه ونظر إلى نظرة إستغباء وهو يقول : طب أنا ماعنديش صداع ، حاستفيد إيه إن شاء الله أما أدعيلك بالشفا إن شاء الله!
--------------
المرأة كئيبة والرجل مريب :
عندما فقدت أمى وبعد أن إنتهت مراسم العزاء، إستسلمت لحالة شديدة من الحزن، كنت لا أكاد أغادر غرفتى وقد أغلقت هاتفى المحمول أياما.
كان زوجى يدخل الحجرة فأتظاهر بالنوم .
مضت أيام والوضع كما هو، حتى إقترب منى ذات يوم، وربت على كتفى فى حنو بالغ، وقال لى بلوعة: ما ينفعش تستسلمى بالشكل دا، قومى، إعملى حاجة، بلاش اليأس دا.
أجبته بفتور: أعمل حاجة زى إيه طيب؟
فأجاب وهو يكاد يبكى: إطبخى مثلا .
----------------------
الرجل بارد والمرأة ماردة :
يهبط نشاط الغدة الدرقية إلى الصفر لدى زوجى حين نكون على موعد ما - مهما بلغت اهميته -، ويبلغ تأثير جملة (إتأخرنا أوى) التى أقولها لزوجى لأحفز همته وأنا أكاد أتميز من الغيظ، أضعاف تأثير أى دواء باسط للعضلات ممتد المفعول يتعاطاه، فلا تزيده إلا مزيدا من الإسترخاء والإنتعاش والتهاون .
لا أستطيع أن أحصى عدد المرات التى تأخرنا فيها عن المطار وأقلعت الطائرة بدوننا، ولكنى أستطيع أن أجزم، أن أعصابى فى تلك المرات قد أحرقت أطنانا من الوقود تعادل ضعف الأطنان التى كانت تستهلكها تلك الطائرات فى رحلاتها .
لذلك فقد إعتدت أن أتلاعب بعقارب الساعة قبل أن أوقظ زوجى للخروج خاصة عند تلبية دعوات الإفطار الرمضانية .
فمن الأمور المعتادة فى تلك المناسبات أن أوقظ زوجى للخروج، فينظر بدوره إلى الساعة أمامه ثم ينظر إلى النافذة قائلا وهو يتثاءب: إزاى الساعة سبعة والنور طالع كدة!!!
فأجيبه ببرود: قادر على كل شئ يا سيدى، أستغفر الله العظيم، حنكفر ولا ايه!!!
.......................
بعد أن قرأ زوجى هذا المقال وأخذت منه موافقة على النشر، قال لى ضاحكا : حاوافق بس بمناسبة يوم المرأة .. وأنا بدورى أقول: ما تقلقوش، كل واحد ليه يوم.
-------------------
بقلم: أماني قاسم