منذ سنوات طويلة وأنا أطلب من شبابنا العربي ألا يتعاملوا مع الرياضة على أنها مجرد فرجة، ومصدر كيد وتنغيص، ولإطلاق الطاقة الغضبية والتعصب الأعمى، الذي نشاهده في مدرجات الملاعب أو على المقاهي التي تغص بمتابعي مباريات كرة القدم، وما يجري في حلبات الملاكمة.
وكثير من هؤلاء الشباب قد تؤثر الرياضة فيهم سلبا، إذ إنهم يضاهون وضعهم بأوضاع لاعبي الكرة، فيقولون: إن أغلب اللاعبين لم يكملوا تعليمهم، ولا اهتموا بأن يثقفوا أنفسهم، ويهذبوا ألفاظهم، ويرتبوا تصرفاتهم، ومع هذا نالوا الشهرة والمال، وصارت سيرتهم على كل لسان. وينسى أصحاب هذا التصور المتعجل في غمرة تفكيرهم السذج أن ملاعب الكرة وشاشات التلفاز لن تتسع لهم جميعا، كي يكونوا أعضاء في فرق رسمية، تتبارى في الدوري العام، وأن أغلب من يبدأون طريق البحث عن فرصة في أي نادي ينتهي بهم الأمر إلى الخروج بخفي حنين، لأن المدربين مضطرون إلى اختيار أقل القليل منهم كي يستمروا لاعبين بالفعل.
وبوسع هؤلاء، حتى إن ضاقت الفرص أمامهم أن تبقى علاقتهم بالرياضة عامرة من خلال الحرص على ممارستها، والإيمان بأهميتها، وفق الحكمة السابغة التي تقول: "العقل السليم في الجسم السليم"، لكن من أسف ينسون هذا تماما، بمرور الوقت، وتتحول الرياضة إلى عبء شديد سقيم، وليست ميزة بالطبع كما تحمل هي في ذاتها وفحواها.
أقول هذا بمناسبة ما لمسته في حالة د. خالد السويدي، وهو شاب إماراتي حاصل على الدكتوراه ويعمل مديرا تنفيذيا لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجة، الذي عملت فيه باحثا في ريعان شبابي، وحاضرت فيه، ونشرت في إصداراته بعض دراساتي، ولمكتبته العامرة بالكتب، لاسيما في مجال العلوم السياسية والاقتصاد والاجتماع والعلوم العسكرية والقانون، كثير فضل عليَّ.
وطيلة هذه السنين رأيت هذا الشاب الإماراتي، الذي تتلمذ على يد زملاء وأصدقاء أعزاء، مثلما رأيت كثيرا من شباب هذا البلد، الذين يسعون إلى تعزيز مسارهم التعليمي إلى منتهاه، وفي هذا فهو يشبه كثيرين ممن ابتعثتهم دولة الإمارات إلى الخارج ليعودوا حاصلين على درجات الدكتوراه في تخصصات مختلفة، لكنه قرر أن يكون مميزا بشيء آخر.
فقبل شهور قرأت في الصحف أنه قرر الجري من رأس الخيمة إلى أبوظبي وهي مسافة تبلغ 350 كيلومترا دعما لمرضى السرطان، ثم تابعت أخبارا قبل أيام تقول إنه قد جرى من أبوظبي إلى مكة وهي مسافة تصل إلى أكثر من ألفي كيلومترا، لإعلاء الدبلوماسية الشعبية في تعزيز العلاقات بين الإمارات والمملكة العربية السعودية. وجاءتني في نهاية رحلته الشاقة، التي كللت بالنجاح، صورا له، وهو يضع يديه على أستار الكعبة المشرفة، معتمرا، وشاكرا ربه سبحانه وتعالى على أنه قد أنعم عليه بالسلامة، بعد أن قطع كل هذه المسافة الطويلة، فوق طرق سريعة لا تخلو من وعورة، فضلا عما يحدق بجسده من خطر الإصرار على قطع هذه المسافة في شهر واحد، ما يعني أنه كان يجري مسافة سبعين كيلومترا في اليوم الواحد.
وقد لاحظت أثناء زيارة لأبوظبي كيف أثرت الرحلة الأولى على هذا الشاب إيجابيا، بحيث أخذت شخصيته تزداد نضجا، وقدرته على تحمل المسؤولية تتعزز، وتقديره لمتاعب وآلام الآخرين يتحسن، وفهمه لطبيعة العلاقة بين الجسد والنفس يتعمق، وبدا لي أنه لا يخدم جسده ليصبح قويا فتيا فحسب، بل يوظف طاقة الجسد تلك في تربية نفسه، ممتثلا لذلك التصور الذي يصيغه الشاعر قائلا:
"يا خادم الجسم كم تشقى لخدمته
وتطلب الربح مما فيه خسران
أقبل على النفس فاستكمل مكارمها
فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان".
أقول هذا لأضرب مثلا، أو أصور حالة لتغيير الرياضة لشخصية الشاب في زمن سريع، إن أحسن فهم ما تؤديه حركات الجسد لأنفسنا وأرواحنا من أفضال، وهي مسألة فعلها بعض شبابنا بالفعل، لكن أمثال هؤلاء قلة، وهو عيب آن له أن يرحل.
--------------------
بقلم: د. عمار علي حسن