12 - 05 - 2025

وما ظلمناهم ...

وما ظلمناهم ...

رمى الخليفة العباسي المتوكل عصفوراً فلم يصبه، فقال وزيره: أحسنت.

 فرد الخليفة: أتهزأ بي؟!

فقال الوزير: لقد أحسنت إلى العصفور حينما تركت له فرصة للحياة!!

تدل تلك الواقعة على تأصل النفاق، في قلوب العديد من البشر، ومنذ قديم الأزل، والتاريخ يحمل بين دفاته، الكثير، والكثير من تلك النماذج، وخاصة أولئك المقربون من ذوى السلطان، والنفوذ، وإحقاقاً للحق ليس هناك أخطر على الحاكم، أو المسئول من حاشية السوء، تلك الحاشية التي تزين له كل أمر.. فتصوّر له الباطل حق، وتقلب له الحق باطلا، ولا تُسدي له نصيحة خالصة لوجه الله، بل إن بعضهم يُصبغون على ذوي السلطة، والنفوذ صبغات إلهية، وكأنهم ليسوا ببشر يُصيب، ويُخطئ، أو أنهم يملكون لأنفسهم نفعاً، أو ضراً بينما حقيقة الإنسان.. أي إنسان أنه لا حول له ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.

ونظراً لخطورة النفاق على الناس والمجتمع.. فقد جعل الله عقابه شديداً، وتوعد المنافق بأن مكانه يوم القيامة.. هو الدرك الأسفل من النار، والغريب أن كثيراً من الناس لا يعبأ بذلك، وبدلاً من أن يتوب، ويرجع إلى ربه فإذا به يتمادى، ويُجّود في أساليب النفاق، عله يحظى برضاء، من ليس له حول ولا قوة، وقد حدد نبي الحق، والرحمة، والعدل صفات المنافق، حتى نتحاشى التعامل معه، فيكون منبوذا من المجتمع عله يهتدى.. فقد قال صل الله عليه وسلم:

 "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من النفاق، حتى يدعها إذا حدث كذب واذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فَجر.

وللأسف انتشرت تلك النماذج في مجتمعاتنا العربية، مقارنة بالمجتمعات الأوروبية، بالرغم من أننا نحن الأولى بذلك..  وذاك ما أصاب تلك المجتمعات بالتردي الأخلاقي، والتخلف الحضاري، فالناظر لما آل إلية حال مجتمعاتنا اليوم، لوجد أنها قد أصحبت مهترئة بعكس عن ما كانت عليه من ذي قبل.

وغاية العجب أن من تتلقى مسامعه، ألوانا شتى من النفاق، يعلم علم اليقين أن ما يسمعه ما هو إلا مجرد نفاق محض، لمصلحة ما، وقليل من الناس من يردع من ينافقه، والمنافق دائماً لا يدري أنه محل احتقار، وسخط من ينافقه، وأن مكانه في نظره، لا يتعدى كونه حذاء يخلعه أينما، ووقت ما يشاء. تحضرني مقولة للإمام العادل عمر بن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه: "أحب قول الحق ولو كان مُرّاً". 

وقد قال عنه نبي الرحمة، والحق، والعدل صلوات ربى وسلامه عليه: "رحم الله بن الخطاب لم يُبق له الحق من صاحب".

 ولذا فقد كافأه الله سبحانه وتعالى، بحب، واحترام، وتقدير الناس عبر العصور إلى آخر الزمان، وشتان ما بين مكانه الفاروق رضوان الله عليه، في أعلى عليين، وجنة عالية، قطوفها دانية، بجوار إمام المتقين، وقائد الغُرّ المحجلين، صلى الله عليه وسلم، وبين الدرك الأسفل، الذى يسكنه عبد الله بن أُبيّ بن سلول، إمام المنافقين..

 فالإمام العادل رضوان الله عليه بجوار سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه، والثاني مع فرعون، ومن هم على شاكلته والعياذ بالله.

أما عن المكانة بين صفحات التاريخ، فأبا حفص قد سُجّل، وسيظل يُسجّل كل يوم أسمه، وخُلقه، ومواقفه بعِزة، وشرف، وبحروف من نور، وذهب في سجل عظماء التاريخ، وأما الثاني فلم يجد التاريخ له موضع، إلا أحقر مكان في الدنيا.. مزبلة التاريخ، وتلك هي المكانة التي تليق به، وبأمثاله، وصدق عَزّ من قائل:

بسم الله الرحمن الرحيم "وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون" صدق الله العظيم.

فالإنسان هو الذى يختار بقوله، وعمله مكانته عند الله، ومن كانت مكانته عالية عند الله كانت منزلته رفيعة بين الناس، وفي قلوبهم.   

ليت الإنسان يتذكر دوماً، أن له أنفاسا معدودة، في أماكن محدودة، في أوقات معلومة، وأرزاقه، وأقداره مكتوبة، وأن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته، وأن يضع دوماً أمام ناظريه، أن إلى الله الرُجعى، ووقتها لن ينفع مال، ولابنون، ولا سلطان، ولا نفوذ فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك، فلا يلومن إلا نفسه، وليت ذلك المنافق يتذكر، ويتدبر قول الله عز وجل: "وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورا" 

نسأل الله السلامة والعافية، فيا أيها المنافق تذكر قبل فوات الأوان قوله تعالى: 

بسم الله الرحمن الرحيم 

" وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَىى عَنِّي مَالِيَهْ ۜ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31)" " سورة الحاقة "

صدق الله العظيم  

 اللهم سلم.. اللهم سلم.. اللهم سلم.

رفعت الأقلام.. وطويت الصحف.
-----------------
بقلم: مـحمــد نـــور
رئيس النادي الثقافي للمبدعين المصريين

مقالات اخرى للكاتب

عايزين عيش