عندما أراد المفكر الليبرالى طارق حجى، التعبيرعن مخاوفه من تغلغل الأصولية الدينية داخل المجتمع المصرى.. وأنّ الظاهرة لم تقـتصر على الجماعات الإسلامية، التى تتبنى أسلوب العنف المُـسلح، لتصفية (الكفار الذين يعيشون فى مجتمع الجاهلية الحديثة) بالترديد الببغائى لما كتبه إمامهم فى العنف (سيد قطب) فى كتابه (معالم فى الطريق) ولكن الخطورة تكمن- كذلك- فى الأشخاص العاملين فى مؤسسات الدولة.. ويتبنون نفس أفكار الإرهابيين التكفيريين، ولذلك اختار لكتابه عنوان (الطاعون: قراءة فى فكر الإرهاب المُـتأسلم) الصادرعن سلسلة (كتاب اليوم) آ مؤسسة أخباراليوم- عدد يناير 2019. وترجمته عن اللغة الإنجليزية د. سحر شوشان.آ
وقد تعمّـد المؤلف فى إهدائه أنْ يـُـرسل رسالة تحذير من خطورة الفكر الأحادى، وهو الفكر الذى يتبنى المُـطلق.. ويـُـعادى النسبى.. ووفق نص كلامه فإنّ: الدين (مطلق) والسياسة (نسبية) وكل من يريد أنْ يخلط بين المطلق والنسبى، يصل به خلطه لمنتج ضد العقل.. وضد العلم.. وضد الإنسانية.. وضد مسيرة التقدم الإنسانى.آ
فى الفصل الأول أشار إلى أهمية التأكيد على أنّ الإسلام يكتسب خصوصية مُـتميـّـزة، انعكستْ عليه من واقع الثقافة القومية لكل شعب.. والدليل على ذلك أنّ الإسلام المصرى، يختلف عن الإسلام السعودى، والإسلام الباكستانى يختلف عن الإسلام السورى إلخ..ومع مراعاة أنّ ما ذكره المؤلف هو ما أكــّـده علماء علم الاجتماع، أمثال: د. سيد عويس، د.عبدالحميد يونس ود.على فهمى..وغيرهم.
ربط المؤلف ذلك الفهم العميق لخصوصية الثقافة القومية لكل شعب، بظاهرة عدم اعتراف كل فصائل الإسلام ببديهية الانتماء لوطن (محدد الحدود الجغرافية وتراثه الثقافى وجذوره التاريخية) والسبب أنهم- كما ذكرالمؤلف- خلطوا الدين بالسياسة.. وردّدوا المقولة الكاذبة التى أطلقها عتاة الأصوليين، أمثال: جمال الدين الإيرانى الشهير بالأفغانى..وحسن البنا وسيد قطب، الذين روّجوا لخدعة (الإسلام وطن) ومنذ ذلك الوقت (خاصة بعد حرب 1973) انتشر على لسان الإسلاميين المصريين تعبير(أنا مسلم) أو(أنا عربى مسلم).. وفى الحالتيْن نفى لوطنهم (مصر) بينما الهندى المسلم يتمسك بجنسيته الهندية.. ويـُـدافع عنها.. وبعد انفصال باكستان عن الهند سنة1947 ، فإنّ المواطن الهندى الذى وافق الإسلاميين على الانفصال، صار يقول (أنا مسلم) وشطب من قاموسه كلمة الوطن. آ
ولذلك كان من المُـهم الإشارة إلى أحمد لطفى السيد، الذى يـُـعتبر أهم مفكر دافع عن خصوصية شعبنا.. ومن بين عباراته العديدة قوله ((المصرى هو الذى ليس لديه تعريف لنفسه غير كلمة واحدة: أنا مصرى)) وبعد هذا الاقتباس من رائد القومية المصرية (لطفى السيد) أضاف د. حجى أنّ: الهوية المصرية الثرية.. والمتعددة.. هى نتاج للتفاعل المُـثمر والتلاقح بين الحضارات والثقافات المختلفة.. هذه الهوية المصرية المُـؤسسة على التعددية، تتعرّض اليوم لخطر جسيم.. حيث أنها تــُـواجه محاولات مُـمنهجة.. ومتعمّدة لتدمير جوهرها..من أعدائها وفى مقدمتهم عتاة الإصوليين الإسلاميين..ومن يقف معهم بالتمويل والمساندة والتشجيع..وذكرأنّ الخطورة تكمن فى انغلاقهم ورفضهم الانفتاح على ثقافات الشعوب المختلفة.. وسيطرة الفكرالأحادى على عقولهم (من ص131- 133) آ
كما أشار د. حجى إلى بعض نماذج الخطر، فذكر: إنّ الخوف الحقيقى يأتى- أيضًا- من الاتجاه الإسلامى، الذى يعمل على ((تعديل المناهج التعليمية)) بهدف ((تعزيز البـُـعد الإسلامى/ العربى على حساب الطبقات الثقافية المُـتعددة، التى تــُـشكل الهوية المصرية.. ومما لاشك فيه أنّ هذا الاتجاه سعى- ويسعى- إلى تضخيم أهمية البـُـعد الإسلامى/ العربى، للتقليل (ونفى) جميع الأبعاد الأخرى التى شكــّـلتْ الهوية المصرية.. وهذا هو المُـتوقع من برلمان ثيوقراطى (دينى) يدّعى أنه مبعوث العناية الإلهية.. وذكر أنّ المفكر اللبنانى (أمين معلوف) وصف أية هوية أحادية البـُـعد بأنها ((مُـدمّرة))، وبناءً على ذلك فإنّ الهوية المُتجانسة لابد أنْ (تؤمن) بالتعددية والتنوع الثقافى.. وقبول الأخر المُـختلف.. والأهم الاعتراف بالتفكير الناقد (بمعنى تعميق وتكريس وتسييد الفكر العقلانى) وكذلك لابد من الاعتراف (فى مناهج التعليم) بأنّ مُـختلف الحضارات والثقافات، ساهمتْ جميعها فى المثل الأعلى للإنسانية المُـشتركة.. وذلك عكس الذين يـدعون إلى (أسلمة المجتمع المصرى) وأضاف: إننى أقول لهم إنّ التاريخ يـُـعلمنا أنّ الاجماع الشعبى ليس دائمًـا على حق (وأنه إجماع كاذب وزائف) حيث أنّ هذا الإجماع هو الذى جعل هتلر يجلس على كرسى السلطة الألمانية.. وأغرق البشرية فى حروب الإبادة الجماعية.. والمذابح التى قضتْ على حياة أكثر من خمسين مليون إنسان..وهذا المثال يسمح لنا بانتقاد التيار الثقافى الذى حاول أنْ يجتاح مصر.. وهو تيار مُـهـدّد لكل المكوّنات (غيرالإسلامية) التى شكــّـلتْ الهوية المصرية.. وذلك بهدف تحويلنا- نحن المصريين- إلى مجتمع يتبنى (هوية أحادية البـُـعد) مثل المجتمعات الصحراوية المحيطة بنا.. واختتم هذه الفقرة بأنْ ذكــّـر القارىء بأكذوبة وخديعة (إجماع الأمة) فاستشهد بتعبير الفيلسوف فولتير الذى قال: سيظل الخطأ هو الخطأ.. حتى لو كرّره آلاف الأشخاص (ص134، 135) آ
وأشار إلى الأخطاء التى حدثتْ بعد انتفاضة يناير 2011 ووصفها بالأخطاء المُـميتة.. وكان الخطأ الأول والفادح هو تفويض الكاتب الإسلامى طارق البشرى، لصياغة التعديلات الدستورية، التى أقـرّها استفتاء 19 مارس 2011 وبدلا من البدء فى الإصلاح الحقيقى عن طريق صياغة دستور ديمقراطى جديد، تقـرّر الانحياز إلى تشكيل (برلمان إسلامى).. ويـُـضاف إلى ذلك 1- الاعتماد على عدد من المستشارين الإسلاميين 2- الاندفاع غير المبرر.. والذى قاده الإسلاميون لإحياء مشروع الخلافة الإسلامية.. وأنّ هذه الخلافة سوف تكون (عسكرية/ دينية).. وذلك لشن الحرب على الغرب الكافر (ص139)آ
وأعتقد أنّ من المحاور المهمة للكتاب، محور موقف الإخوان المسلمين من آلية (ديمقراطية صندوق الانتخابات) سواء للوصول إلى البرلمان أو لرئاسة الدولة، حيث طرح سؤالا غاية فى الأهمية: هل حدث- على مدارالتاريخ الحديث- أنْ التزم الإسلاميون بمبادىء الديمقراطية التى أوصلتهم للبرلمان أو لرئاسة الدولة؟ وهل التزموا بتطبيق آليات تحقيق الدولة المدنية العصرية.. كما وعدوا فى دعايتهم الانتخابية؟ (ص143) وأليس الإسلاميون- عمومًـا- هم الذين كفــّـروا الديمقراطية، ورفضوا (تعدد الأحزاب) ثـمّ تراجعوا عن أفكارهم عندما سنحتْ الفرصة.. وتيقنوا من نجاحهم.. كما حدث أيام مبارك الذى سمح بوجود 88 من الإخوان فى البرلمان.. وكما حدث بعد انتفاضة يناير 2011، حيث شاركوا فى البرلمان.. وفى رئاسة الدولة بوصول مرشحهم (محمد مرسى) الذى فاز فى انتخابات يونيو 2012 ليـُـصبح أول رئيس إسلامى يحكم مصر.. وكل ذلك بفضل (ديمقراطية الغرب الكافر) وهكذا يتبيــّـن مدى (إيمانهم) بالفكر البراجماتى..وتطبيق مذهب ميكافيلى: الغاية تــُـبرر الوسيلة.
--------------------
بقلم: طلعت رضوان
آ