فيلا سعرها ستمائة مليون جنيه يتم إيجارها بثمانية جنيهات شهريا .. وشقة على النيل تباع بألفى جنيه فقط بحجة أن المشترية فقيرة .. هكذا كانت الأمور تدار ..
أغنى وزارة فى مصر تعلن أنها كانت تخسر ستين مليارا والآن تكسب سبعة ملايين فقط .. إنها أرقام متواضعة جدا ياسيادة الوزير فى هيئة تدير مائة وأربع عشرة ألف قطعة وقف .. وملايين الأفدنة الزراعية المستولى عليها أو المؤجرة ببخس الأسعار .. و حجم تعديات بلغ مليونى متر مربع ..
جمال حمدان كان يقول (إن ربع ثروة مصر العقارية حتى الخمسينيات تمتلكها هيئة الأوقاف) ..وهى مالكة وشريكة فى عشرين شركة وبنك .. وتكسب سبعة ملايين فقط ؟!.. غير معقول ..
المحفظة المالية للوزارة بلغت تريليون وسبعة وثلاثين مليار جنية .. يعنى حوالى ثمانية وخمسين مليار دولار.. تكفى لحل مشاكل مصر الإقتصادية ولاتحوجنا لصندوق النقد الدولى بشروطه وفوائده القاسية والمفقرة .. تمتلك الهيئة أيضا قصورا فى أرقى عواصم العالم فى اليونان وإيطاليا وتركيا .. بمليارات الدولارات والعائد سبعين ألف يورو .. كيف تدار كل هذه الأموال ؟!
الموظفون فى الهيئة والوزارة يعملون فى بيئة غير آدمية بين مكاتب مكدسة ودفاتر قديمة وأراشيف أشبه بالمتاهات .. تصوروا إدارة هذه الثروات المهولة مازال يتم بالطريقة اليدوية ولا توجد ميكنة ولا أجهزة كمبيوتر ولا أنظمة حديثة للحفاظ على ثروات العباد والبلاد .. لاتدريب ولا تحديث ولا عقليات إقتصادية ولا شركات متخصصة فى الإستثمار وإدارة الأصول حتى الآن هل هذا معقول ؟! ..
ثانيا .. أين تصرف عوائد هذه الأوقاف ؟ الإجابة عمارة المساجد وباب البر وباب الدعوة
.. نحن نرى مساجد مصر الآن فى حالة يرثى لها سواء فى الأحياء الشعبية أو فى المراكز والقرى .. أدخل أية مضيأة وشاهد اللانظافة فيها وفى الحمامات ولن أزيد ..أرجو أن تشرح لنا الوزارة أيضا تفاصيل باب البر وباب الدعوة !! .. فى تركيا مثلا يوقفون أموالهم على التعليم.. تعليم اليتامى والفقراء ويرصدون وقفيات فى الجامعات للبحث العلمى والمنح الدراسية
.. مطلوب من وزارة الأوقاف أن تعلن عن إستراتيجية شاملة تتوافق مع إحتياجات التنمية فى التعليم والصحة ورعاية الفقراء ..
مسألة أخرى تم الإعلان عنها مؤخرا .. أنه تم طرح أوراق مالية قيمتها سبعمائة مليون جنيه فى البورصة .. هل تم حساب المخاطرة فى ذلك مع أموال وقف لها طبيعة خاصة .. أعتقد أن الأمر يحتاج إلى فتوى شرعية قبل الفتوى الإقتصادية ..
ماذا فعل كل رؤساء الهيئة السابقين وماهى خبراتهم الإقتصادية التى تمكنهم من إدارة هذه الثروات المهولة .. الأمر يحتاج إلى خبراء وبيوت خبرة إستشارية .. وهنا أقترح أن تتولى مؤسسة ( إن آى كابيتال) التابعة للحكومة المصرية وبنك الإستثمار القومى .. عمل الدراسات والأبحاث اللازمة بداية من حصر الأصول والأموال ثم دراسة نقاط الضعف والتهديدات ثم دراسة عناصر القوة والفرص أو مايسمونه swot analysis .. وأخيرا وضع سيناريوهات للتطوير المؤسسى والهيكلة ومسارات الإستثمار والطريقة المثلى لإدارة الأصول .. بدون وضع تصورات على هذا المستوى سيظل التخبط قائما وإهدار الفرص مستمرا .. إن بعض القرارات السريعة الحالية قد تحقق مكاسب ما .. لكنها لن تبنى نظاما مؤسسيا قادرا على النمو والمنافسة وتحقيق عوائد ووفورات كبيرة تتناسب وحجم الثروة ..أو الثروات المعلقة ..
زمان كان يحلو لبعض الرجال تهديد زوجاتهم .. فيقول أحدهم أنا حخليكى كده معلقة زى البيت الوقف .. أنا حاحرمك من الميراث وأكتب ثروتى كلها للأوقاف .. يبدو أن حكايتنا مع الوقف والأوقاف أصبحت دراماتيكية وأشبه بذلك ؟ إنه تاريخ طويل ..
يحكى المقريزى بعضه منذ أيام سلاطين زمان.. يوقفون وكالات تجارية وفنادق وقصور للصرف على العلم وعلى فقراء المسلمين … ليتنا نعيد إحياء سنة الوقفية فى هذا الزمان بدلا من إستيراد نظم ومصطلحات أجنبية مستنسخة من تراثنا .. ولكن عقدة الخواجة تجعلنا نمصمص الشفاة ونقول ياسلام على نظام (fund raising الفاند ريزنج) ..
ناظر الوقف متى يوقف المهزلة؟
-------------------
بقلم: د. جمال الشاعر
نقلا عن الأهرام - الجمعة ٢٢ فبراير ٢٠١٩