11 - 05 - 2025

انهزامية وانتكاسة تنتابني

انهزامية وانتكاسة تنتابني

تنتابني حالة من الانهزامية والتوتر النفسي، مما أربكت جسدي وأثرت في صحتي وجعلني عرضة لبعض المشاكل الصحية في البطن،وعلي إثرها ربما أقوم بإجراء جراحة إزالة المرارة قريبا.

والحقيقة هذه الحالة بدأت منذ أكثر من شهر بسبب متابعتي المستمرة لأحوال المصريين وضمائرنا التي تشبعت بمؤثرات ما نقرأه وما نتابعه هنا علي صفحاتنا وما نشاهده أيضا من برامج سياسية ورياضية وثقافية خرجت عن السياقات الإنسانية وتمثلت في فجوة واسعة نطلق عليها مصطلحا " الفساد".

ورغم إصرار الطبيب المعالج أن أعتزل كل هذه المؤثرات التي تسبب لي هذه الانهزامية وهذه المشاكل الصحية،غير أنني لا أستمع إلي توجيهاته،بل أجدني متوغلا في تأمل ما أقرأ وما أتابع وما أشاهد ليزداد ألمي أكثر خاصة عندما أتأمل أحوال وكتابة المثقفين المصريين وهم يتبارون في تعكير أجواء الصفحات بكتابة لا اتزان فيها سوي منتج دوافعهم أو توجهاتهم ومعتقداتهم الفكرية عند بعضهم، والبعض يتأثرون بهذه الكتابة شكلا أو مضمونا ليندفعوا في بث الآمهم لمن يقرأ لهم، ولا تجد غير القليل والقليل جدا من الكتاب من يكتب بصدق وحق ما يساهم في منحة راقية للضمير المصري، الرسمي والشعبي يتأثر بها كل من يقرأ حتي تنجلي الحقائق العامة والخاصة لمن يمتلك براهينها وعندها يستقر الضمير في وجدان متابعه من العامة ويحذو حذو هذا الكاتب أو ذاك.

وأشد ما يؤذي الصحة والضمير أن تقرأ لمنافق،أو صاحب توجه فكري غير محايد، أو من يرمي باتهاماته علي مؤسسة رسمية أو مدنية،أو حاكم أو مسؤول من دون بينة أو حقيقة.

أو أن يضع نفسه مكان منصة قضاء مثلا،أو حاكم أو مسؤول ،ويكيل بالاتهامات الضالة التي لا أساس لها غير روايات مصورة أو مكتوبة يتم تداولها وربما لا تمثل غير التشويه،ونسينا أن رب البيت هو مسؤول أمام الله عن منتج تربيته لأبنائه مثلا،أو أن القاضي الذي أصدر حكما قاسيا علي متهم هو من يتحمل هذا أمام الذي سيحاسبه علي هذا الحكم إن كان عادلا أو غير عادل، ولا يليق بالكاتب أن يأخذ ضمير القاضي ويحكم بما لا يملك.

كل هذه المؤثرات لم ترهق جسدي بقدر إرهاقه من الذين يملكون حناجر النفاق لتوظيفها في طمس الحقائق وتحويل الكذب إلي حقيقة والحقيقة إلي كذب.

حيث تجدهم اليوم يكيلون كيل الاتهامات والسباب لأحد الأشخاص الذي تتخذ منه مؤسسة أو أخري في الدولة،أو حتي الدولة نفسها موقفا ضدي،أو قد خيل لهم بذلك، ويرسخون لقيم تخصه بأنه الشيطان الذي يمشي علي الأرض في شكل إنسان، وبعد فترة قصيرة يجدون الرضا قد عمه من الذين غضبوا عليه أو هكذا خيل لهم، فيتحولون من بوق الاتهامات إلي بوق جديد لنفس الشخص بأنه الوطني المخلص لبلاده وجماهيره وغير ذلك من آيات النفاق التي لا يخجلون منها.

بقي شيء آخر وفي ظني هو السبب الرئيس الذي نال من قوتي ومن صحتي وهو ترك الفساد يستشري بين أروقة العباد والبنايات والضمائر والأنفس وهنا لا أقصد فسادا لفرد ضل طريقه ويمكن للأجهزة أن تنال منه.

بل ما قصدته فساد السياسات داخل المؤسسات وفساد اختيارات المناصب التي أضرت وتضر،وفساد استخدام فجوات القوانين لتقنين كوارث أضرت بمصر ونالت من الاقتصاد العام للدولة والخاص بالمؤسسات التي تعاني منه وتتكبد الخسائر التي يجدون سهولة الرمي باتهاماتهم أن العمالة الزائدة أو الوحدات الإنتاجية التي ينتهي عمرها الافتراضي،أو. ..،...إلخ 

قرأت مقالا مهما اليوم للصديق الإعلامي جمال الشاعر،علي صفحته يبين واقعا لفساد ظاهر ولا يخفي علي أحد في مؤسسة الأوقاف المصرية،وهو ليس فساد فرد،بل فساد فجوة قوانين تم تفصيلها حتي يحصل مسؤول أو آخر علي فيلا مثلا أو أرض يتجاوز سعرها مئات الملايين وايجارها ثماني جنيهات.

هذا مثال حقيقي لملايين الأمثلة التي باعدت في حقيقة الأمر كثيرا من الشعب عن ثقته في الدولة التي لم تتغير أحوالها عما سبق من فترات حكم سابقة،وتستمر الفجوة بين الشعب وبين الدولة ما لم نجد رغبة حقيقية في تغيير المنهج العام في السياسة الداخلية وخاصة تحسين أوضاع الضمير العام.
---------------------
بقلم: عمارة إبراهيم*
*شاعر وعضو مجلس إدارة سابق باتحاد كتاب مصر

مقالات اخرى للكاتب

لا نحتاج لثورة شعب.. نحتاج إلي تصحيح