12 - 05 - 2025

أيهما يـُـحقق العدالة: النظام البرلمانى أم الرئاسى؟

أيهما يـُـحقق العدالة: النظام البرلمانى أم الرئاسى؟

من بين المقالات المهمة التى كتبها إحسان عبدالقدوس– مع بداية حكم ضباط يوليو1952- مقاله الشهيربعنوان (كيف نود أنْ تــُـحكم مصر) قال فيه: عندما طالبتُ بإعلان النظام الجمهورى لحكم مصر، لم يكن الأمر سهلا، حيث كان النظام الملكى قد ضرب على عقول الناس ستارًا مظلمًـا، فلم يعد خيالهم السياسي، يتسع لأى نظام آخر من نظم الحكم..وكان الحرص على الاستقرار..والخوف من التطورالسريع.. والحذرمن المستقبل، يدفع البعض إلى محاربة الدعوة إلى النظام الجمهورى.. واعتبارأصحاب هذه الدعوة من المتطرفين، الذين يسعون إلى ((قلب نظام الحكم)) وإلى ((قلب الأوضاع السائدة)) بل إنّ أحد المُـدافعين والمُـتملقين للضباط، قال عنى فى حديث من خلال ميكروفون الإذاعة: إنّ إحسان ((مغرض ودسّـاس ومن أعداء الثورة))  

وفى الفقرة التالية شرح النظم السياسية المختلفة..وحلــّـل نظرايتها العديدة، والفرق بين نظرية وأخرى، ثم أسهب فى ذكرعيوب ومزايا كل نظرية.  

وفى فقرة أخرى قال ما يعتقد أنه أنسب النظم التى تحقق العدالة الاجتماعية، والحرية الفردية والديمقراطية السياسية..وكل هذا هو ما يحقق الاستقرار..وقال إنّ هذا النظام هو النظام الجمهورى البرلمانى..وليس الرئاسى، لأنّ هذا النظام يستهدف مصلحة الشعب.. وأضاف: إنّ نظام الجمهورية الديمقراطية.. هوالنظام الأمثل بين الجمهوريات.. ونحن لانريد نظامًـا ((تمنحه لنا قيادة حركة الضباط..وإنما نريد نظامًـا نختاره نحن ونصرعليه..ونفرضه على أنفسنا..ودورحركة قيادة الجيش هوأنْ تــُـتيح للشعب فرصة إعداد نفسه ((بلا قيود)) 

وفى مقال آخر حذّر من أنّ النظام الجمهورى يحتاج إلى شعب واعٍ، مفتوح العينين.. وغيرذلك (قد) ينقلب رئيس الجمهورية إلى ديكتاتور له سلطات الملك.. و(قد) يلعب بالدستور(من خلال مؤيديه وأتباعه فى البرلمان) فيوحى  (لترزية القوانين وتعديل مواد الدستور) بأنْ تكون مدة رئيس الجمهورية (مدى الحياة)   

وكتب مقالا فى مجلة روزاليوسف بتاريخ 22 يونيو1953 قال فيه: يوم طالبتُ بأنْ يشترك ضباط قيادة الجيش فى الوزارة، اتهمنى البعض بأننى أدعو إلى الديكتاتورية العسكرية.. ولم أكن كذلك أبدًا ولن أكون. إننا لانزال نعد أنفسنا للديمقراطية الكاملة.. وأول حقوق الديمقراطية هو((حق نقد الوزراء وتوجيههم ومطالبتهم بتلبية.. وتحقيق العدالة الاجتماعية لجميع أفراد الشعب)) وهوحق لا يمكن التنازل عنه أبدًا (حتى فى فترة الإعداد) والوزير القوى هو الذى يتقبل النقد..ويحترم إرادة الشعب.  

وبعد شهرين من حركة 23 يوليو1952 وانتشارالكلام عن نية الضباط نحو إلغاء دستور سنة 1923وكثرة المقالات التى كلها (مديح ممجوج) للضباط.. كتب إحسان مقالا فى مجلة روزاليوسف بتاريخ 4 أغسطس سنة 1952 قال فيه: هذا العهد الجديد الذى سعينا إليه (منذ عهد النظام الملكى) ورحبنا بحركة الجيش.. ولكن للأسف فإنّ ((مواكب النفاق التى كانت تسير فى ركاب العهد القديم، الذى أطلق الضباط عليه (العهد البائد)، لاتزال تقوم بنفس الدور.. وتسيروراء الضباط، كما كانت تسير وراء الملك فاروق وبطانته.. ولاتزال تطوف بيننا ((وتحرق البخور فى هيكل السيد الجديد)) إنهم نفس الأشخاص الذين ينطبق عليهم تعبير(رجال كل كل العصور.. والآكلين على كل الموائد وتقديم فروض الولاء والطاعة المطلقة لكل سلطان..ولكل صاحب سلطة)  

ثم تطرق لموضوع إلغاء الألقاب (مثل بك وباشا) فكتب: وقد ترتب على إلغاء الألقاب، إزالة مظهر من مظاهر فوارق الطبقات.. ولكن– للأسف– فإنّ مظاهر فوارق الطبقات، ما تزال قائمة، فى الثروات العقارية.. وفى الخزائن المكدسة بالمال ولاتزال قائمة فى قطع الماس وسبائك الذهب.. ولاتزال فى القصور والموائد المتخمة ولا يزال الضباط فى حالة تردد نحو إطلاق الحريات وإلغاء الأحكام العرفية.. ولا تزال الرقابة على الصحف قائمة. إنّ ما كنا نخشى منه فى الماضى ونقاومه، لازلنا نخشى منه (فى العهد الجديد) وسوف نقاومه.  

وفى مقال زاخربالسخرية المريرة.. وعنوان دال على المضمون (الملائكة الذين عزلوا الملك ثم ارتفعوا إلى السماء).. وهذا المقال منشورفى مجلة روزاليوسف بتاريخ 8 سبتمبر1952بدأه بوصف الحكام الجدد (ضباط يوليو) بأنهم أشبه بالملائكة الذين هبطوا على الأرض ليحكموا مصر((ويتعففون أن يكونوا بشرًا مثلنا: لهم حسنات ولهم أخطاء)) 

وفى الفقرة التالية، بدأ فى رصد تناقضات هؤلاء الملائكة.. ولكن بأسلوبه الساخر فقال إنهم ((ملائكة يؤمنون بالدستور إيمانــًـا قويـًـا (ومجرد من الأطماع) ويؤمنون بالنظام الحزبى.. وبالحرية الحزبية إيمانــًـا (مقدسا) إنهم ملائكة يؤمنون بالحرية الشخصية إيمان العابد بربه.. ولكنهم رأوا أنّ هذه الحرية هى سبب الفساد المستشرى.. وبهذه الحرية أصبحتْ سلاحـًـا للاحتيال السياسى.. والدجل الحزبى، وسياجـًـا يحتمى وراء الإقطاع.. وفى كل أحاديثهم يتمحكون فى الخالق سبحانه وتعالى.       

وفى الفقرة التالية ارتفعت نبرة السخرية.. وأصبح أسلوب التورية أقرب إلى الإفصاح حيث قال: ملائكة تعففوا وتمادوا فى الزهد.. وخافوا ربهم (وشعبهم) فلم يعملوا شيئـًـا خشية أنْ يـُـخطئوا.. ولم يتقدموا خشية أنْ يتعثروا.. ولم يتحرّكوا خشية أنْ يتجنبوا الصواب. إننى أدعوهم إلى التفكير بمعنى بالدستور..ومعنى النظام الحزبى، فليس هناك دستور(حقيقى) بلا أحزاب (حقيقية).. واحترام الحرية الشخصية، فقد صهرنا إيماننا دفاعـًـا عن هذه الحرية.. ولن نتنازل عنها حتى لو قبض الضباط  (الملائكة) علينا وعليها.. وإننى أدعوهم إلى النزول إلى الأرض، وأنْ يكونوا بشرًا. ثم تساءل: هل يستطيع رئيس مجلس الوزراء أنْ يرى الرأى العام.. وأنْ يقترب من المواطنين للتعرف على مشاكلهم.. وتلبية احتياجاتهم؟ وإذا كانت النارللكافرين– كما يقول الشيوخ– فأين جنة الصالحين؟ ومتى سوف يكون من المقدرلمصرأنْ تــُـحكم بلا أحكام عرفية؟   

***

إنّ ما كتبه إحسان عبدالقدوس فى أواخريوليو1952عن مساوىء النظام الرئاسى.. ومزايا النظام البرلمانى، يتفق مع ما كتبه المستشار طارق البشرى، فى كتابه (نظام يوليو 52 والديمقراطية) وما كتبه صلاح عيسى فى كتابه عن مشروع دستور 1954 الذى رماه ضباط يوليو فى صندوق الزبالة.
---------------------------------
بقلم: طلعت رضوان 

 

مقالات اخرى للكاتب

أين الدول العربية من التنافس الأمريكى الروسى؟