أعتقد أنّ من بين الجوانب المتعلقة بمواقف إحسان السياسية، موقفه من قضية الشعب الفلسطينى..وهو موقف تجاهله كثيرون من الذين أرّخوا لحياة إحسان مع وجود بعض الاستثناءات (وبصفة خاصة نتيجة الأحاديث الصحفية مع إحسان– كما ورد فى كتاب د.أميرة أبوالفتوح- هيئة الكتاب المصرية- عام1982) حيث قال لها: عندما سافرتُ فى رحلة إلى فلسطين عام 1945، هناك أحسستُ ((بالخطرالقادم)) ففى تل أبيب رأيتُ عرضًـا عسكريـًـا مخيفــًـا، زعم منظروه أنه عرض للكشافة.. وذلك بالرغم من أنّ الأسلحة الأوتوماتيكية التى اشتركتْ فى العرض لايـُـسمح بحملها فى أى عرض للكشافة فى العالم.. وفى مقرالوكالة اليهودية، أجريتُ حوارًا طويلا مع قادتها.. وفى هذا الحوار عرفتُ ما يدور..وما يـُـدبـّـر لفلسطين..وازدادتْ الحقيقة المروعة والمأساوية المنتظرة والمتوقعة للشعب الفلسطينى (كان ذلك للتذكير سنة 1945- أى قبل قرار التقسيم رقم 181 لسنة 1947 الصادرعن الأمم المتحدة..وقبل احتلال فلسطين عام 1948)
وواصل إحسان كلامه عن ذكرياته عن تلك الزيارة فقال: وازدادت الحقيقة المُـحزنة والمُـؤلمة وضوحـًـا أمام عينى، عندما رأيتُ (وأنا فى شدة حزنى) على الجانب العربى أحد عشرحزبـًـا متنافرًا..ويحاربون بعضهم البعض، إما بالسب والتجريح..وإما بتوجيه أبشع الاتهامات، لعلّ أشنعها الاتهام بالعمالة للدول الامبريالية العالمية، المُـساندة للصهيونية الدينية..والتى كانت تعمل (منذ عدة سنوات على احتلال فلسطين، بهدف إنشاء وطنى قومى/ دينى لبنى إسرائيل)
وعندما عاد إحسان إلى مصر..كتب مقالابعنوان لافت للنظر(لقد ضاعتْ فلسطين) وكأنه كان يلقى بالقفازفى وجه الأنظمة والأحزاب العربية، لعلّ تلك الأنظمة والأحزاب تنتبه لما يخطط له اليهود والعصابات الصهيونية، لطرد الشعب الفلسطينى من وطنه..ولكن أحدًا لم يأخذ كلام إحسان بجدية، إلى أنْ تحققت نبوءته (سنة 1945 فى إبريل– مايوسنة 1948) وإذا كان العرب لم يهتموا بمقال إحسان، فإنّ الوكالة اليهودية، لم تغفرله جرأته وهوينتقد الصهيونية العالمية، والأخطر(من وجهة نظرها ونظرالحاخامات) هوهجومه وانتقاده لفكرة إقامة دولة (على مرجعية دينية، تنفيذًا لنص دينى منحاز لبنى إسرائيل..وإنّ أرض فلسطين ملك لأتباع النبى موسى..وأطلق النص الدينى على أرض الشعب الفلسطينى مصطلح: أرض الميعاد)
وكان من أهم ما جاء فى مقال إحسان أنه كتب ((أنّ الوكالة اليهودية ومن ورائها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية..كانتا تخططان، مع قيادات الصهيونية العالمية لاغتصاب فلسطين))
وإذا كان إحسان كتب مقاله سنة1945فى مجلة روزاليوسف، وحذّرفيه من الصهيونية العالمية لابتلاع فلسطين..وكتب تعبير(ضاعتْ فلسطين) كما لوكان يتنبـّـأ بالمستقبل، فقد سبقه المفكر عمر عنايت الذى كتب فى عدد أمشير/ فبراير1929 فى مجلة العصورالتى كان يصدرها إسماعيل مظهر، مقالا بعنوان (المدنية اليهودية المُستقبلة) بدأ برصد ظاهرة سيطرة المال اليهودى الآخذ بخناق العالم والمسيّرلأموره..وذكرأنّ اليهود يـُـفكرون فى ((مشروع لمد أنابيب النفط من الموصل إلى ثغرحيفا الفلسطينى..ومن يدرى ما يُـخبئه الغيب من المخترعات والمكتشفات الغربية)) وبعد الكلمة الأخيرة..وبدون أية فواصل فإنه سجّـل نبوءته التحذيرية الثانية، إذْ نصّ على ((فإنّ فلسطين– ولوأنها لم تصـــــربعد– فستكون يومًا ما ملكــًـا لبنى إسرائيل..وإذا قلنا بنى إسرائيل، فنحن نتكلم عن أمة موحدة المرمى. كثيرة المال. لها رأس يفكر. لذلك ستــُـصرعلى أنْ يكون لها الفصل فى الهيمنة على مركزفلسطين الاقتصادى أولا. ثم سيأتى الوقت الذى يلتفت فيه اليهود إلى الهيمنة السياسية والتوسع أيضًا))
أما نبوءته الثالثة فهى عن تأثيرالدعاية اليهودية لصالح إسرائيل، بعد أنْ تكون دولة معترفــًا بها دوليًا، فكتب ((سنسمع يومًا من الأيام أنّ حيفا هى عروس البحرالمتوسط))
وفى نبوءته الرابعة كأنما يمتلك آلة سحرية، مثل بللـورات ألف ليلة وليلة، فكتب عن مصرومستقبلها إذا لم تنتبه لخطورة المخطط الصهيونى، فنصّ على ((يجب أنْ نتطلّع إلى ذلك اليوم، فإنه سيكون الحد الفاصل بين عهدين: عهد مصر الذهبى وعهدها المُـظلم. فبعد ذلك اليوم ستكون مصركمية مهملة وستكون عضوًا أثريًا فى مملكة داود الجديدة))
هذا الكلام- للتذكرة- كان سنة1929وتبعه تحذيرإحسان عبدالقدوس سنة1945.
---------------------
بقلم: طلعت رضوان