12 - 05 - 2025

الملهمــات وطائر الشوك

الملهمــات وطائر الشوك

كتب الشاعر السماح عبد الله مؤخرًا فى مقاله "أفراح الذاكرة..المكوجى العاشق"، ملابسات اكتشاف الشاعر سيد مرسى الذى عرفناه من أغانى (والنبى وحشتنا) لشادية، و(ردوا السلام) لعفاف راضى، و (سلم على) لنجاة الصغيرة، و(وحشتونى) لوردة، أما أشهر أغانيه فتلك التى حولته من مكوجى إلى شاعر، فبعد صد وجفاء من خادمة الأستاذ مأمون الشناوى، لم يجد حيلة للوصول إليها سوي دس رسالة إليها فى الملابس المكوية لكنها تقع فى يد مخدومها، فيعجب بالكلمات وباستجواب الخادمة يعرف كاتبها فيستدعيه ويقدمه للموسيقار محمود الشريف فيسمع منه كلمات أغنيته (عالحلوة والمرة مش كنا متعاهدين/ ليه تنسى بالمرة عشره بقالها سنين/ عالحلوة والمرة)، فيلحنها ويغنيها عبد الغنى السيد، وليتحول عم سيد إلى شاعر يتغنى بأشعاره كبار المغنيين والمغنيات.

حملت قصة الأغنية أبعاد عدة أهمها، مساندة الشاعر مأمون الشناوى لسيد وتقديمه للموسيقيين والمغنيين، بدلًا من طمسه كمنافس، البعد الثانى، أن ملهمة الأغنية، التى لا تزال حاضرة حتى الآن، وقدمها المبدع مدحت صالح بأسلوب جمع بين الأصالة والمعاصرة، كانت خادمة تأتيه بالملابس النظيفة لكيها، لكنه رآها مصدر إلهام حرك شجونه وأطلق شيطان شعره فجرى سلسًا سهلًا من دون تكلف ولا ادعاء. 

لا تخلو الأعمال الفنية من ملهمات، وبدون مبالغة، خلف كل عمل فنى ملهمة يربطها بالفنان جوانب إنسانية تشعل نار الشعر فى النفوس فيجرى بها اللسان رسولًا عن القلب. فى كتابه (ملهمات المشاهير) يسجل الفنان التشكيلي والباحث في علوم الفن،جمال قطب، أن المرأة، كانت وما زالت، تقوم بدور الملهمة، وبحسب ما يربطها بالمبدع، قُرب أو بُعد، حُب أو جَفاء، يأتى فنه.

وبحسب ما ذكره قطب، لم تجتمع للملهمات مواصفات وملامح محددة، لكنه وجد ما يمكن وصفه (الجمال العبقرى)، بمعنى الجمال الشامل الذى لا يتوقف على الشكل فقط بل مقرونًا بحضورها وتأثيرها أيضا، فملامح ملهمة الدكتور إبراهيم ناجى قد نجدها عادية، وقد نجد من هى أجمل واكثر جاذبية، لكنها بملامحها تلك كانت وراء قصيدة الأطلال والتى قال فيها عنها (لست أنساك وقد أغريتني .. بفمٍ عذب المناداة رقيقْ/ ويدٍ تمتد نحوي كيدٍ .. من خلال الموج مدت لغريق/ وبريقًا يظمأ الساري له .. أين في عينيك ذياك البريقْ).

فيما أجمع من رأى ملهمة/زوجة الشاعر نزار قبانى على جمالها، فقال يرثيها فى قصيدته (بلقيس والوطن)، (بلقيسُ ...كانتْ أجملَ المَلِكَاتِ في تاريخ بابِل/ بلقيسُ ..كانت أطولَ النَخْلاتِ في أرض العراقْ/ كانتْ إذا تمشي ..ترافقُها طواويسٌ ..وتتبعُها أيائِلْ/ بلقيسُ .. يا وَجَعِى ويا وَجَعَ القصيدةِ حين تلمَسُهَا الأناملْ/ هل يا تُرى ..من بعد شَعْرِكِ سوفَ ترتفعُ السنابلْ ؟).

أيضًا، وطبقًا لأكثر الروايات، فإن ملهمة الشاعر كامل الشناوى، شقيق مأمون مكتشف سيد مرسى، كانت الفنانة نجاة والتى كتب لها قصيدة (لا تكذبى) فغنتها حامدة شاكرة، كما كتب لها قصيدة (لا وعينيك) التى غناها فريد الأطرش (لا وعينيك يا حبيبة روحي لم أعد فيك هائما فاستريحي/ سكنت ثورتي فصار سواء أن تليني أو تجنحي للجموح). وسواء كانت الملهمة ذات حسن وجمال ومكانة أو غير ذلك، فلا شك أن الفنان يراها صاحبة جمال عبقرى تستحق أن يأسر نفسه فى سجنها، ويغرس شوكة هجرها فى قلبه مُطلقًا أجمل الأشعار، تمامًا كطائر الشوك، الذى يتكيء فى نهاية حياته على شوكة ثم يُطلق فى الفضاء تغريدته الفريدة والوحيدة.
--------------------
بقلم: د. محمد مصطفى الخياط
[email protected]m

مقالات اخرى للكاتب

نوتردام.. تولد من جديد