20 - 04 - 2024

قطاع طريق ونبلاء

قطاع طريق ونبلاء

من ذا الذي يستطيع أن يزايد على نبل ووطنية وتجرد يحيى حسين عبد الهادي ومعصوم مرزوق ويحيا القزاز ومحمد منيب ورائد سلامة وعشرات آخرين سبقوهم إلى الزنازين الموحشة، شبابا وكهولا وشيوخا، من ذا الذي يطاوعه عقله وضميره أن يحرر ضدهم محاضر ملفقة أو يتهمهم باتهامات هو أول من يعرف كذبها وافتراءها ومجافاتها للواقع.

من في السلطة من أعلاها إلى أدناها أخلص إخلاصهم، أو قدم عشر معشار تضحياتهم، من في السلطة تحمل الأذى وقاتل عدوا أو حارب فسادا أو فكر وقدر ورسم طريقا لتكون مصر بلدا نفاخر به، بتقدمه وحريته واستقلاله وعلو شأنه وحسن ذكره، من في السلطة حارب معارك الشعب الذي يتوق أن يعيش بكرامة ويجد مايسد رمقه في وطنه، من في السلطة قاتل مثلهم ليسود القانون ويطبق الدستور وتنعم مصر بالاستقرار لتسد الطريق على الطامعين وترد كيد الكائدين، من مثلهم قاتل معركة اقتلاع نظام مستبد باسم الدين وينافح لتصويب الخطى وتصحيح المسار إغلاقا للطريق نحو الفوضى والغضب الذي لن يكون هذه المرة بنبل وطهارة ماسبق من حراك شعبي.

ما الذي أجرموا فيه غير كلمة حرة قيلت في لقاء تليفزيوني أو مقال أو في تدوينة على موقع للتواصل الاجتماعي أو في جلسات عامة، من باب إسداء النصح للحاكم وأجهزة الدولة لتستقيم الأمور ونواصل التنمية والتقدم والنهوض دون عثرات.

وإذا كانت الكلمة الحرة جريمة، فما للدستور يصون حرية الرأي والفكر والتعبير ويعتبرها حقوقا لايجوز الجور عليها، وإذا كانت هذه الحرية جريمة فلماذا رعتها أجهزة الدولة وتقبلها أغلب الشعب واعتبرها الجميع مكسبا لا يجوز التراجع عنه، في أوقات سابقة، وكيف كان سيتم تصحيح المسار ومراجعة الشعب لخياراته في الصعود بجماعة الإخوان إلى السلطة.

حقيقة أتمنى لو أستطيع تفهم دوافع نظام الحكم لحبس واعتقال وملاحقة أنبل نبلاء مصر وأشرف شرفائها، وهم الذين كان ينبغي على أن نظام حكم عاقل الإنصات إلى نصائحهم وتكريمهم وتقليدهم أرفع النياشين، وقبل ذلك حشد الأنصار إليهم ومنحهم الحق في الحركة والتنظيم والعمل السياسي لأن هؤلاء وحدهم القادرون على تشكيل نواه حركة مدنية قادرة على حماية مصر من عواصف التطرف والإرهاب والحشد باسم الدين والتدخل الخارجي في شؤوننا، تحسس الجميع من عبارات قالها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون واعتبروها تدخلا خارجيا ماسا بالسيادة، حسنا أنا معهم تماما ولكن لنغلق الطريق على تدخلات ماكرون وغيره بحقوق الإنسان وصون الحرية والكرامة وتكوين ظهير شعبي حقيقي يقف خلف قيادة مصرـ ويجعلها أكثر قوة ومنعا، لأن ظهيرها –إذا ماحدث ذلك- سيكون الشعب، ومن يسانده شعبه حقا لن تنال منه مؤامرات الخارج ويكون ساندا ظهره إلى جبل لا يقهر.

يتمنى الرئيس السيسي لو توافر له المناخ الوطني الذي توافر لعبد الناصر، فلماذا لايفعل إذن أفعال عبدالناصر الذي قاد مصر في سنوات عاصفة، لم نسمع في فترة حكم ناصر عن مسؤول مرتش أو فاسد، لم نعرف أبدا أن الرجل أو حاشيته أو المسؤولين في نظام حكمه تربحوا، مات ناصر فقيرا بسيطا بعد أن أسعد آلاف الفقراء البسطاء، وزع عليهم الملكيات الزراعية وأتاح لهم التعليم والصحة والتقاضي العادل، وطالبهم برفع رؤوسهم، ومثل شوكة في حلق إسرائيل والاستعمار رغم هزيمته المرة في 1967، لكنه خسر معركة ولم يخسر حربا، وكسب أفئدة عشرات الملايين من شعبه، ورغم كل ماقيل ويقال عن الاستبداد وقهر الحرية والسجون إلا أن عدد المعتقلين على مدى 18 سنة حكم فيها، وكانت فيه مؤامرات داخلية وخارجية وإقليمية ومعارك اجتماعية، لم يزد عن 18 ألف معتقل، جرى اعتقال عدد مناظر لهم على يد هذه السلطة في أيام معدودات، ومع ذلك حفظت للمعتقلين القدامى وظائفهم وأقدارهم .. لم يشوهوا أو يغتالوا معنويا، بل خرج محمود أمين العالم -رحمه الله- من سجنه إلى رئاسة تحرير روز اليوسف، وكتب فيه عبد الرحمن الأبنودي وأحمد فؤاد نجم – الذين حبسوا مرارا في عهده – أجمل قصائدهم فيه بعد وفاته. وحين سألت الأبنودي – رحمه الله – أتكتب ياخال هذه القصيدة البديعة فيمن حبسك؟ فرد بعفوية: "اكتشفت إن اللي حبسنا أفضل وأطهر من اللي ماحبسناش".

ما يحدث ضد هؤلاء النبلاء والاتهامات التي تنسب لهم، خالية من المعقولية ولا يمكن أن يتقبلها عقل عاقل، وتقييد حريتهم ليس إعلاء لروح العدالة والقانون، وإنما أعمال قطاع طريق.

على السلطة أن تراجع نفسها وتصوب أخطاءها وترمم صورتها، فمحاولات قطع الطريق على الرأي الحر، إنما هي في الحقيقة قطع لطريق مصر نحو النور والاستقرار واستقلال القرار والدولة المدنية التي تصان فيها الحريات، والتنمية والنهضة الحقيقية، وليست نهضة الشاشات والصحف التي تتنفس كذبا ونفاقا، فالناصح النبيل أفضل للسلطة ولمصر من ألف مدلس. وصاحب الكلمة الحرة أقوى لدولته وبدولته من جيش محاربين.

مقالات اخرى للكاتب

تباريح | مصر ليست مجرد أغنية!





اعلان