تحدثت الحكومة وإعلامها كثيراً، عن أعداد العاملين في الدولة، وأنها تتمنى أن تخفضها، في حين أن السيد الرئيس، صرح مراراً، أنه لن يُمس عامل، أو موظف في الحكومة، حرصاً على سلامة الأسرة، والمجتمع المصري.
لكن العاملين في الدولة يشعرون أن هناك، ممارسات خفية، من جهة الحكومة، للضغط عليهم، حتى يتركوا وظائفهم كَرهاً، وقد سمعت العديد من شكاوى الناس، من جراء تلك المضايقات التي يتعرضون إليها، في مختلف المؤسسات الحكومية، وهذا مما لاشك فيه يقود المجتمع، إلى منحنى خطير جداً، فإذا كان عدد العاملين في الدولة، كما تقول الحكومة، قرابة الخمسة ملايين ونصف المليون موظف، ولو افترضنا أن كل موظف يعول أسرة مكونة من ثلاثة أفراد، فمعنى ذلك أن لدينا قرابة السبعة عشر مليون مواطن، أي ما يقرب من سدس سكان مصر، يعولوهم أولئك العاملون، ولو افترضنا أن الحكومة تتمنى كما يُشاع، أن تخفض عدد العاملين في الدولة، إلى مليون موظف فذاك يعني، أن مصير قرابة الثلاثة عشر مليون مواطن، يصبح في مهب الريح، وهذا هو أخطر ما في هذا الموضوع.
فماذا تفعل تلك الأسر لمواجهة أعباء الحياة، خاصة في ظل تلك الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها مصر؟!
هذا ما فطن إليه، السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومن أجل ذلك صرّح سيادته أكثر من مرة، أنه لا مساس بالعاملين، وحقوقهم في الدولة أبداً، حتى يُطمئن الشعب المصري، لكن ما يتعرض له العاملون من ضغوط، لا يزال يثير الكثير، من القلق الشديد في نفوسهم، لأنهم يعلمون أن الحكومة، لا تستطيع، أن تواكب الخطوات الواسعة، التي يتخذها السيد الرئيس، على طريق الإصلاح..
فكما قلت من قبل الحكومة في وادٍ، والرئيس في وادٍ آخر.
وحرصاً على سلامة المجتمع المصري، وحتى يتبدد القلق من نفوس العاملين في الدولة، وحتى تُخفف الأعباء على الدولة، لأننا بالفعل نَمُر بوضع اقتصادي صعب، أطرح هذه المبادرة على الحكومة، تحت مسمى.. (العاملون ثروة) لأن القوى البشرية بالفعل، هي أعظم مورد يمكن لأي دولة، أن تستثمر فيه أعظم استثمار، عسى أن تتحقق المعادلة الصعبة، وهي.. تقليل العبء عن كاهل الدولة، وفي نفس الوقت، يطمئن العاملون على مستقبلهم، ويتلاشى القلق من صدورهم، ويروا زيادة ملموسة في أجورهم، التي تكاد لا تتحرك تقريباً منذ سنين.
وبما أنه وفقاً لما يتردد، وما يشعر به العاملون، أن الحكومة تسعى لتقليل الأعباء المالية بالموازنة، وذلك عن طريق تخفيض أعدادهم، حتى تحقق وفراً في بند الأجور، وبما أن ذلك هو الهدف، وبغض النظر عن إن ذلك الفكر لو تحقق، سيشكل خطراً حقيقياً، على الوضع الاقتصادي للدولة، لأنه إذا قل مدخول المواطن، فمن الطبيعي أن ذلك، سينعكس بالسلب، على حركة التبادل التجاري، داخل السوق المصري، والذي يعاني هو أصلاً، من حالة ركود تجاري غير مسبوقة..
لأنه إذا كان المواطن، لا يستطيع أن يتحصل، على كافة احتياجاته الضرورية، بذلك الأجر الذي يتقاضاه الآن، في ظل تلك الأسعار التي تزداد اشتعالاً، يوماً بعد يوم، فكيف سيكون الحال، إذا فقد الموظف ذلك الأجر؟!
بالتأكيد سيكون الوضع كارثيا، سواء أكان ذلك على المستوى الإنساني، أو الاقتصادي.
فإذا كان ما يهمنا هو، تحقيق وفر في مصروفات الدولة، فإنه من الممكن أن يتحقق ذلك عن طريق بعض البدائل، دون أن تتعرض الدولة، لذلك الوضع الكارثي لا قدّر الله، وذلك على النحو التالي:
أولاً: لا شك أن الهيكل الإداري للعاملين في الدولة مُتخم، ويُحمّل الموازنة، العديد من الأعباء.
ثانياً: هناك إشكالية لدى الحكومة، في عدم قدرتها على الاستثمار، في المواطن المصري، وبالمناسبة المواطن ليس له أي دخل، أو دور في تلك الإشكالية، فلو كانت الحكومة تُحسن استثمار القوى البشرية، لما كان الجهاز الإداري متخما هكذا، بل على العكس، كان سيحتاج إلى أضعاف ذلك العدد، الذي أدخل الحكومة في حيص بيص، والدليل على ذلك، أن الإنسان المصري، ينجح في الخارج أيما نجاح ، عندما تتوافر له سبل النجاح، وعندما يجد عقلية إدارية مرنة، ومتطورة تقدره، وتعامله بما يستحقه من أوجه المعاملة الإنسانية، لا أن تعامله بأسلوب المنة ذات الاستعلاء الفوقي، وعندما يرى القدر الذي تملكه تلك الإدارة، من إبداع تستطيع من خلاله، أن تحقق الاستفادة القصوى بالقوى البشرية التي تديرها.
ثالثاً: ما المانع أن يتم اتباع نظام النوبتجية، في كافة المؤسسات الحكومية، غير المنتجة، وغير المتعاملة مع الجمهور؟
ففي الدول المتقدمة، يتم إنجاز الكثير من الأعمال، عن طريق الإنترنت، وبالطبع ذلك في غير الأعمال المنتجة، التي يتم استخدام الآلات فيها، حتى أن غالبية الأعمال التي يتم التعامل فيها مع الجمهور، أصبحت تتم عبر النظم الإليكترونية، وأصبح نظام (الشباك) للتعامل مع الجمهور، نظاماً بالياً، وإذا تم التعامل وفق ذلك النظام، فسيتحقق بلا شك وفر كبير للدولة..
هذا الوفر سيكون على سبيل المثال لا الحصر في الآتي: الكهرباء، والماء، والمواد البترولية، والاتصالات، والأدوات المكتبية، والأوراق إلى جانب تقليل الحمل التشغيلي، على مختلف الأجهزة الكهربائية مثل أجهزة (الكمبيوتر – آلات التصور – آلات الطباعة – أجهزة الانارة – إلخ)، وغيرها الكثير، والكثير من أوجه الإنفاق، التي تفوق في تكلفتها، وآثارها فكرة تخفيض عدد العاملين في الدولة.
كما أن تطبيق ذلك النظام، من شأنه تقليل التكدس المروري، الذي فاق الحد في مختلف شوارع، وميادين الدولة، وهذا أيضاً من شأنه تحقيق وفر في ميزانية الدولة، وتخفيف عبء فاتورة المواد البترولية.
كما يمكن أيضاُ تطبيق نظام النوبتجية، في الأعمال التي قد تستلزم، وجود عدد قليل من العاملين، ويكون ذلك بتقليل عدد ساعات العمل، لتحقيق الوفر المطلوب من الإنفاق، أو بتحديد عدد معين أيام الحضور للعاملين، وقد كانت الحكومة منذ فترة تفكر، في هذه النقطة بالتحديد، لكنها تراجعت عنها، لا لشيء إلا لأنها وجدت أنها فكرة، لن تحقق لها عدد ساعات العمل المرجوة، التي تريدها!!
وغفلت عن أن ما يتم إنجازه من العمل، أهم وأكثر نفعاً من مجرد التواجد، لساعات معينة فقط، دون مراعاة لما يتم إنجازه من العمل.
فنظام الحضور، والانصراف الذي نعهده، في فكر حكومتنا الموقرة، هو نظام لا وجود له في النظم الإدارية الحديثة، فهو نظام عفى عليه الزمن، ولم يعد له في حيز الوجود مكان، إلا في بعض دول العالم الثالث فقط، لأن المهم هو إنجاز العمل في أسرع وقت، وبأقل تكلفة.
وإذا كانت الحكومة قد اتخذت بالفعل، خطوات واسعة للوصول إلى النموذج الناجح للحكومة الإلكترونية، فلماذا لا يتم الأخذ بهذه المبادرة على التوازي خاصة، وأنها ستحقق الطمأنينة، في نفوس المواطنين، كما أنها ستتيح للدولة، أن ترفع أجور العاملين، بالإضافة إلى تحقيق وفر، كبير في الإنفاق، وهو ما سيؤدي إلى عودة حركة البيع، والشراء في الأسواق إلى الحياة مرة أخرى، إن لم تعد أكثر رواجاً عن ذي قبل، وهو ما سيساهم في تدفق الاستثمارات، ودفع عجلة الإنتاج.
لابد على الحكومة أن تفكر، كما يقال، خارج الصندوق إذا أرادت أن تحقق ما يحلم به السيد الرئيس تجاه الوطن والمواطن، فهل من استجابة للنصيحة من حكومتنا الموقرة، لوجه الله.. ولو لمرة واحدة؟!
-------------------------
بقلم: مـحمــد نـــور
[email protected]