20 - 04 - 2024

جمهورية خوف جديدة

جمهورية خوف جديدة

"لدي رغبة شديدة في قراءة حوار حمدين، لكن أخشى أن يرى أحد هذا العدد من المشهد في حوزتي .. فيقبض علي".. هكذا يقول الصحفي الخمسيني المخضرم الذي يتولى إدارة تحرير صحيفة أخرى.

"أعرف أن تليفوني وتليفونك مراقبان .. لكني أقول لك أني أساندك، كن حذرا فالأجواء لا تحتمل" هكذا قال رئيس تحرير مطبوعة يومية، مقرب من النظام.

"أنا العميد فلان .. رئيس شعبة مكافحة التطرف في جهاز ... سابقا، أرجو أن تحذف الرسالة من واتساب فور قراءتها .. أريد أن أزورك، لكن لنلتقي في مقهى أو حديقة أو أي مكان خارج مكتبك، لأني أخشى أن يكون كل شيء مراقب بالصوت والصورة".

هذا مجرد "غيض من فيض" يوحي أن الخوف يتعملق في المجتمع المصري، ويأكل بتعملقه كل مشاعر الوطنية والشأن العام والتعبير عن الرأي وحتى مجرد التنفس في جو صحي.

وللخوف ما يبرره ويجعله مقدرا، فالمهتمون بالشأن العام تعد عليهم أنفاسهم عدا، متى خرجوا، من قابلوا، إلى من تحدثوا هاتفيا، ماذا كتبوا على وسائل التواصل!

لا يعرفون متى ستطرق أجهزة الأمن أبوابهم لاصطحابهم وإدخالهم نفقا مجهولا من تحقيقات النيابة والحبس الاحتياطي، لا يعرفون من يتطوع غدا من المحامين الذين يعملون بإيعاز من السلطة، ومن يتطوع غدا من الإعلاميين والصحفيين العاملين بـ"الريموت كنترول" للنهش في سمعتهم وسمعة أسرهم واغتيالهم معنويا وتحويلهم إلى مسخة على وسائل التواصل من "كتائب الكترونية معروفة " تلفق وتزيف وتغتال السمعة في غيبة من القانون والقضاء.

النبيل حمدين صباحي فتحت عليه النيران من كل الاتجاهات، لمجرد أنه أدلى بحوار صحفي أعلن فيه رأيه في تعديل الدستور، وتحدث عن أحلام الناس وإخفاقاتهم في 25 يناير و30 يونيو، إلى درجة تجعله يعتذر – بانسانيته المفرطة - عن ندوة لمناقشة ديوان شعري لي في معرض الكتاب، فلم يعد ظهوره في أي مكان عام إلا مثيرا للزوابع.

والمهندس يحيى حسين عبد الهادي مدير مركز إعداد القادة السابق، الذي أعاد لخزينة مصر نحو 600 مليون جنيه في صفقة بيع "عمر أفندي" وتصدى لبيع بنك القاهرة, كما تصدى لبيع 3.6 مليون م2 من الأراضى المميزة بالساحل الشمالى لهشام طلعت مصطفى وسميح ساويرس وجمعية جيل المستقبل بسعر 160 جنيها للمتر، والذي عزل من منصبه في عهد الإخوان، لأنه استضاف معارضين للرئيس المعزول محمد مرسي، يقبض عليه من منزله فجر اليوم، بسبب كتابة مقالات تنتقد سياسات الحكم، ولا أحد يعرف إلى أين تم اقتياده.

والاشتراكي المخضرم د. جمال عبد الفتاح الذي تجاوز السبعين يقبض عليه أمس الأول، رغم أنه أخلى سبيله في سبتمبر الماضي بعد حبس احتياطي، دام سبعة شهور دون تهمة، وفي نفس الليلة يقبض على عبد العزيز فضالي عضو المكتب السياسي بتيار الكرامة من منزله، ومن مكان آخر يتم القبض على خالد بسيوني وخالد محمود ومهاب الإبراشي وهم ثلاثة شباب من تيار الكرامة كل جريمتهم أنهم حضروا احتفالية لإحياء ذكرى ثورة يناير بمقر حزب الكرامة.

ماذا تريد السلطة من النخبة السياسية المدنية؟ – والتي لا يمكن اتهامها على أي نحو بالعنف والإرهاب – هل تريد أن تدفعهم دفعا إلى المنافي ، وهم الذين يرون مصر أما وأبا وحياة، ويفضلون السجن في مصر على قصر في لندن – كما قال عبد المنعم أبو الفتوح قبل يومين من اعتقاله – وما نهاية هذا السيل من الاعتقالات والحبس الاحتياطي الذي يبدو بلا نهاية؟

حين هربت عناصر الإخوان من البلاد بعد 3 يوليو 2013 رسموا صورة كارثية لمصر، كسلطة مستبدة ووطن يتحول إلى سجن كبير، في وقت لم تكن فيه مصر كذلك، وكنت أدافع وأقول أن الوطن يتسع لكل الأحرار والمخالفين في الرأي مادام الخلاف على أرضية وطنية ويستهدف حفظ مقومات الدولة ومقدراتها ومصالحها العليا، لكن هناك جهات أخذت هذا التصور الكارثي لمصر، وبدأت تحويله من كابوس غير موجود إلا في الذهنية الإخوانية، إلى واقع حقيقي نحياه ونكتوي بناره.

لن يستفيد من تحول مصر السمحاء الحرة العفية إلى جمهورية خوف – على نمط الجمهوريات البعثية الزائلة – إلا أعداء مصر والحاقدون عليها. لا بد أن هناك عقلاء في النظام يعون هذا جيدا، ويعون أيضا أن الوطن يحتاج إلى من يزيل الخوف من نفوس الوطنيين ويحدث انفراجة ويضمد الجراح ويحقق أحلام الناس بالحرية والعدل، وليس إلى من يسوق الشعب بالعصا وكأنه قطعان من الأغنام.
-------------------
بقلم: مجدي شندي

مقالات اخرى للكاتب

تباريح | مصر ليست مجرد أغنية!





اعلان