12 - 05 - 2025

العلمانية والدولة المدنية

العلمانية والدولة المدنية

مصطلح العلمانية مصطلح خلافى للغاية شأنه شأن مصطلحات أخرى مثل التحديث والتنوير والعولمة. وأنقسم الناس بشأنها بين مؤيد ومعارض، ولعل العلمانية من أكثر المصطلحات إثارة للفرقة إذ يتم الحوار والشجار حوله بحدة واضحة،

 وكما يذكر الدكتور عبد الوهاب المسيرى، يوجد هناك علمانيتان لا علمانية واحدة، الأولى الجزئية التي يعنى بها فصل الدين عن الدولة، والثانية العلمانية الشاملة التي لا تعنى فصل الدين عن الدولة فحسب بل فصل كل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية ليس فقط عن الدولة وإنما عن الطبيعة وحياة الإنسان في جانبيها العام والخاص بحيث تنتزع القداسة عن العالم ويتحول إلى مادة إستعمالية يمكن توظيفها لصالح الأقوى.

وتعريف العلمانية بإعتبارها فصل الدين عن الدولة (فصل سلطة الكنيسة عن الدولة) هو الأكثر شيوعاً في العالم في الغرب أو الشرق، وتعنى فصل المؤسسة الدينية عن المؤسسات السياسية (الدولة) وتنحصر عمليات العلمنة في المجال السياسي وربما الإقتصادي أيضاً في بعض المجالات وتستبعد شتي النشاطات الإنسانية الأخرى أي أنها تشير إلى العلمانية الجزئية. وهذه العلمانية الجزئية إذا أضيفت لها فصل الدولة عن المؤسسة العسكرية فهي تعني بالتمام والكمال الدولة المدنية – وعلى نقيض الدولة المدنية تأتي الدولة الدينية التي لا وجود لها في التاريخ الإسلامي كما أجمع رجال الدين وأساتذة التاريخ.

وهناك فصلاً للدين والكهنوت عن الدولة في كل المجتمعات الإنسانية تقريباً إلا في بعض المجتمعات الموغلة في البساطة والبدائية حيث نجد أن رئيس القبيلة هو النبي والكاهن وأحياناً سليل الآلهه، وطقوس الحياة اليومية طقوس دينية كما هو الحال في العبادة الإسرائيلية – أما في المجتمعات المركبة فهناك تمايز بين السلطات، وحتى في الإمبراطوريات الوثنية التي يحكما ملك متألـّه فهناك تمايزاً بين الملك المتآلـّـه وكبير الكهنة وقائد الجيوش.

ومن ثم فإن فصل المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة ليست عملية مقصورة على المجتمعات العلمانية فقط بل موجودة في معظم المجتمعات المركبة، والدولة هنا تعنى الإجراءات السياسية والإقتصادية ذات الطابع الفني أو شراء الأسلحة أو مناقشة الميزانية وهي أمور لا يعرفها سوى الفنيون لذا فليس بإمكان رجال الدين مشايخ أو قساوسة أن يفتوا فيها.

ومن المنظور السطحي الإختزالي مناقشة العلمانية في إطار نقل الأفكار أو التأثر بالحضارات الأجنبية فلكل مجتمع ثقافاته، يقبل ما يشاء ويرفض ما يشاء، وتستطيع الدولة أصدار قوانين تفرض رقابة صارمة على الإنحرافات إن وجدت.

وكمثال صارخ للعلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة ودورها فى التحولات الإجتماعية  .... نجد أن الإتحاد السوفيتي كان دولة ذات عقيدة علمانية شاملة ذات طابع الحادي مادي، أما الولايات المتحدة فهي على العكس تسمح بحرية العقيدة والتبشير وعدد الكنائس هائل، وحتى عهد قريب لم يكن بإمكان أحد من أعضاء النخبة الحاكمة أن يجاهر بالحاده أو سلوكه الجنسي غير السوى غير المقبول إجتماعياً ويحتفظ بمنصبه الرسمي في الوقت نفسه ولا يزال كثيراً من الساسة يحرصون على حضور الصلوات يوم الأحد بل أن الدولار الأمريكي يحمل عبارة "نحن نثق بالإله" .. نظام يجسد العلمانية الجزئيةوالدولة المدنية  .

وعلى العموم لا يجب أن نحكم على الدولة المدنية بما تنقله وسائل الإعلام ونشاهده من ظواهر العلمنة من أفلام وملابس وأطعمة جاهزة وخلافه من السيارات الفارهة والمولات التجارية، فقد نجد بلداً يصنف بإعتباره إسلامياً (مثلاً) لأن دستوره هو الشريعة الإسلامية مع أن معدلات العلمنة فيه قد تكون أعلى من بلد دستوره ليس بالضرورة إسلامياً لكن معظم سكانه لا يزالون بمنأى عن مظاهر العلمنة. وهنا تبرز مصر بتدينها وثقافتها الخاصة المميزة التي تستطيع مقاومة كل ما هو سيئ.

-----------------
بقلم: د. عادل وديع فلسطين
عضو اتحاد الكتاب ونادى القصة

مقالات اخرى للكاتب

حلم ليلة شتاء