28 - 03 - 2024

قراءة في لغة مجدي شندي التي تشبهني

قراءة في لغة مجدي شندي التي تشبهني

لغة تشبهني ، لغة جمعها الشاعر في إلياذة عصرية شدتني فلسفتها التي صافحت وجهي كنسمة في ليلة صيفية شديدة الحرارة فرفرفت لها أوراق قلبي بحنان ومس عبقها قلبي فشممت رائحة فرسان العصور الوسطى ثم مالبثت أن هزت مشاعري حين وقعت عيني على قصيدة ( لا تطفيء المصباح) 

حيث وجدت نفسي أمام لغة خاصة وفلسفة خاصة وحكمة عامة تصلح لكل زمان ومكان .

لقد اضطرتني اللغة البسيطة والمعاني العميقة اضطرارا لتنحية النظريات النقدية جانبا ومحاورة النص بقلبي وعقلي محاورة خاصة .

حين أهداني مجدي شندي نسخة من هذه الإلياذة تصورت أني سأقرا وجبة سياسية في قالب شعري مباشر ؛وفتحت الديوان وكلي ثقة بذلك ولكني وجدت نفسي أمام عمل يضج شاعرية وفروسية وفلسفة في يوتوبيا كافرة بالواقع الخسيس ؛يوتوبيا لامست وجداني بنبل أخلاقها وسمو قيمها .

" لا تطفئي المصباح يا أمي 

إن الوطاويط تمرح في الظلام 

والأغاريد لا تكتب في الظلام 

والمواعيد مع الخلد لاتضرب 

في الظلام 

ولا غير الرماح الغادرات 

تدس في سم لتطعن أنبل

ما رأت عيناك 

في وسط الزحام

وحين انتقلت بوجل للقصيدة التالية "أنشودة الغياب"  لم أملك نفسي وخاتلتني آهة طويلة وصيحة رجت أركاني ...الله ..الله ..إنه الغوص في الذات لاستخراج كل ما بالنفس البشرية من تساؤلات مذ وطأت قدم آدم أرض البسيطة .

أنا السمي أم الخفي أم الولي 

أم النقي المستهام المستضيء المستجير 

أم الشقي ذا الذي نبذته الأساطير ...

ثم يعرج بي الشاعر إلى ذروة اليوتوبيا مرتديا ثوبا واقعيا جميلا بقصيدته ( ويرحلون )  لأرى الشاعر الإنسان يتحسر على الصديق القديم ؛الصديق المخلص ؛مما يشي بوفاء وإخلاص لأصدقائه الذين رحلوا .

" والغار تسكنه الزوابع 

وظل أصحابي القدامى 

سقته الريح كأسا من فناء 

وظلي يعاند ظلي 

لأجرع وحدي كل الكؤوس بغير نديم "

المحبوبة عند مجدي شندي لها صفات نحتها من روحه فعكست جموحه فبدت لنا كما يحب أن يرى الحياة وكما يحلم بها ؛ لذلك نحت معشوقته من روحه الوثابة ؛ فهي فراشة تطير مستمتعة بالحياة ترسم حاجبها بدلال كهلال يلمس أفق الروح :لا تخطئ عين القارئ في رؤية الشاعر نفسه :-

تتأنق مثل فراشة 

ترسم حاجبها بدلال

كهلال

يلمس أفق الروح 

ويضع حدودا للعينين

الصافيتين الثاقبتين كعيني نمر

والمشبعتين كماء كوثر 

وتمشي كغزال بري 

لا أستطيع أن أصف مدى توفيق الشاعر في اختيار عتبة ديوانه لدرجة الابهار "لغة تشبهني" هو ترجمة لما جبلت عليه نفس الشاعر من حب للحق والخير والجمال في نصوص قوامها المعنى الجديد والبناء البسيط .

ولم يكن الخيال المبتكر بمنأى عن المشهد ؛فقد كان حاضرا في نصوصه كجزء لا يتجزأ من المعنى والدلالة ولكنها شكلت عالما جديدا ومستحدثا في أكثر من نص ؛حتى صار الانزياح اللغوي يعكس تطورا للصورة الشعرية منذ الشعر الجاهلي حتى اليوم ؛حتى صار الانزياح اللغوي معادلا موضوعيا للتشبيه والاستعارة في قصيدة "وجوه "

"وجه من عنت الأيام 

يبحر في اللاوعي نهارا 

وحين يجن الليل يمارس سطوته 

يطفو كالحلم فأرفع رايتي البيضاء وأسلم نفسي للنوم .

ما أجمل انصهار الحقيقة في الفن ! وذلك بمقاربة عقلية للحقيقة ففي السطر الأخير نرى الوجه يطفو ليلا على سطح الأحلام لنرى أنفسنا أمام صورة فريدة .

أما المشهد السردي في ديوان  "لغة تشبهني " فقد أخذني بعيدا فحبكته الفنية العالية في قصيدة جموح تلك التي تصف مشهدا للقمر وهو يهم باحتضان زهرة فتولي وجهها ولكن القمر لاييأس فيحاصرها بوميضه فتجد نفسه بلا وعي تهفو للوميض فتحتضنه في نهاية سعيدة، يالها من ق.ق.ج بارعة .

لقد قرأت قصائد كنت أظن أنها ستصمد في وجه الزمن طويلا حتى الخلود ولكن الشاعر لم يمنحها مقومات ذلك حين تخلى في أحايين كثيرة عن الوزن ظنا منه أن قيود الوزن تعوق انسياب المعاني .
-----------------
بقلم: بدوي الدقادوسي

مقالات اخرى للكاتب

رسالة للسيدة





اعلان