فروق واضحة بين اتفاضة 18 و19 يناير 1977، أو قل ثورة الجياع في مصر، وثورة 25 يناير 2011، للغاضبين من نظام الحكم والمطالبين للحرية والعدالة الإجتماعية، في الأولى تراجع الرئيس محمد أنور السادات سريعا عن قرارات الحكومة برفع الأسعار، وحاول إلقاء التهمة على اليسار معتبرا أنها "انتفاضة حرامية"، إلا أنه قرر التراجع السريع عن كل القرارات ليضمن لنفسه الحكم.
وبعد سنوات تم تبرئة كل من اتهمهم السادات، وصدر حكم قضائي سجله التاريخ، يكذب كل ادعاءات الحكومة والسادات ضد اليسار، وكل من جاءت أسماؤهم في قوائم الإتهام، ليظهر أن خروج الناس للشوارع كان خروجا على حق، ولأسباب اجتماعية وحالة غلاء فاحش، وأن الناس ضاقت من سياسات الحكومة.
في 25 يناير 2011 الوضع مختلف فقد تجمدت الحياة السياسية في مصر، وتم تهميش الحريات ودور الأحزاب، وجاءت انتخابات مجلس الشعب قبلها بثلاثة شهور بنتائج غاضبة، والتي سرعت من موجات الغضب، فخرج الملايين إلى الشوارع غاضبين، وشارك الجميع في مظاهرات وتجمعات الثورة في ميادين مختلفة، وكان ميدان التحرير هو بوتقة حالة الغضب، وزادت كثافة المشاركة، مع اتساع دائرة الأمل بين الناس أن هناك شمس جديدة ستشرق على مصر يشارك فيها الجميع على أمل صباح جديد بكل معانيه.
محركات الثورة كانت واضحة، ومؤشراتها كانت تتسع بين كل المستويات، والنوايا الحسنة في فجر جديد يتسع من أجل "عيش - حرية – عدالة اجتماعية"، وزاد من حجم المشاركة الأوضاع الإقتصادية السيئة، وفقدان الأمل في بريق سياسي جديد بعد اختفاء المشاركة الحزبية والسياسية في البرلمان المنتخب قبل شهور قليلة من إندلاع شرارة الثورة.
أسباب ثورة الغضب في 25 يناير 2011، كانت أقوى بمراحل من أسباب الغضب في 18 و19 يناير 1977، فالتطورات كانت أكثر إلحاحا، خصوصا من قلة الحريات السياسيه و حالة الطوارئ و زيادة الفقر وصعوبة وجود فرص العمل ووحشية التعامل الأمني والافتقار للسكن، و غلاء المعيشه و إرتفاع أسعار الغذاء، وإنتشار الفساد، و عدم وجود انتخابات حره نزيهه مع انعدام حرية التعبير و سوء الأحوال المعيشية.
هذه أسباب لا يمكن نكرانها في خروج الناس في 25 يناير 2011، ولا يمكن تجاهلها، وجاءت المشاركات تلقائية، من العامة والخاصة والنخبة، على أمل بزوغ الفجر المنتظر، وليس مجرد انتظار "جودو" الذي لم ولن ينتهي كما رواه الإيرلندي العبقري صمويل بيكيت" في رائعته "في انتظار جودو".
حتما كان هناك من يرى في 25 يناير بابا لإلتهام مصر، وتحقيق الحلم في القفز على السلطة، وإقتناص الفرصة، لإعادة ترتيب الأوارق بما يصب في صالحة، أو مصالحهم، وللأسف هناك من ساعد هؤلاء من بين رجال السلطة ذاتها، ومن النافذين على كراسي العرش في الأسابيع أو الشهور الإنتقالية بعد تنحي الرئيس الأسبق حسن مبارك، لتصبح الأرض والدولة في حالة فراغ.
ولاشك أن وبعد يوم 11 فبراير 2011 وقرار حسنى مبارك ترك منصبه تحت الضغط الشعبى و العالمى الأمريكى والأوروبى تحديدا و تسليم الحكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصريه" المجلس العسكرى" ليحكم البلاد رئيسه البلاد.
ومن هنا بدأ التخطيط لأكل أو قل التهام الثورة، وأخطأ الجميع أنهم تركوا الميادين دون الحصول على تعهدات ووعود واضحة لحالة جديدة من الديمقراطية، بعد اعلان 13 فبراير بتعليق الدستور ، و حل مجلسي الشعب و الشورى، ليحكم لمدة ستة أشهر أو إقامة الانتخابات.
اختفاء الضمانات وسع الفرصة للقفز على السلطة والترتيب في الخفاء لنظام جديدة "أحادي"، لا شريك له، وبدأ المخطط يأخذ طريقه بحشد المؤيدين للفريق والقوة السياسية المنظمة، والتي خططت لإلتهام كعكة "مصر" في غيبة من النخبة، أو تنحيها للخلف، ليحدث ما حدث على مدى حوالي 18 شهرا، لتصبح مصر في قبضة يد جديدة متعطشة للحكم، بأي ثمن، تحت سمع وبصر الجميع، وبتأييد ودعم خارجي.
على الجانب الآخر كانت هناك رؤية مختلفة، ليس للساسة فيها أي دور خفي أو معلن، في محاولة لإعادة الأمور إلى نصابها وإعادة مصر إلى ما كانت عليه، أو قل مصر بشكل جديد.
ويقيني أن التركة كانت مليئة بالتفاصيل، لتبدأ عملية جديدة لإصلاح مصر، ولكن هذه المرة تصبح فيها الأولويات مختلفة، وشعار "عيش – حرية – عدالة اجتماعية" يتنحي جانبا في ظل تحديات، يقينا أنها كانت خافية، أو مجهلة، عن طموح من هم على رأس محاولة تصحيح المسار.
ويبقى أن نعود إلى ما بدأت به المقال، الفروق واضحة بين مطالب الفارق الزمني فيها بين 1977 و2011، 34 عاما، والآن وبعد 8 سنوات جديدة يصبح الطموح في تحقيق المطالب الشعبية مسؤولية في رقاب كل من يتحمل مسؤولية في هذا البلد.
--------------------------
بقلم: محمود الحضري