منذ عام 2016 م والاقتراحات البرلمانية والإعلامية تتوالى وتظهر على السطح في إشارة لتعديل مواد الدستور المصري الوليد لتمديد فترة الرئاسة من 4 إلى6 سنوات. أما هذا العام و بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة عام 2018م و التي لم يكن بها مرشحون حقيقيون للرئاسة، بل كاد المشهد الانتخابي وقتها أن يكون خاليا تماما من منافسين حقيقين على كرسي الحكم،عادت الآراء هنا و هناك تتشكل من جديد حول إمكانية تعديل مواد الدستور الذي لم يمض إلا أعوام قليلة على صياغته . وبالطبع يبدو الغرض من ذلك واضحا، حيث يلهث بعض الإعلاميين و نواب البرلمان لكسب ود الرئيس السيسي أو بمعنى آخر مغازلته سياسيا على حساب الصالح العام .
كان الأولى بهؤلاء أن يأخذوا بيد الرئيس المصري لمعاونته على الحفاظ على مواد الدستور بما يحفظ كرامة المواطن المصري وحرياته و حقوقه في أن يحصل بسهولة على لقمة العيش في ظل ما نراه من ارتفاع مهول في معدلات التضخم كارتفاع الأسعار. أما أن يكون التوجه سواء الإعلامي أو البرلماني لا يهتم إلا بمد فترة الرئاسة وتعديل المادة التي تسمح للرئيس المصري بالترشح لفترتين رئاسيتين بما يعمل على زيادة فترات الترشح، فهذا لا يعني إلا أننا لم نتغير و لم نتعلم أو نتعظ مما مضى . فأظن أن السادة الإعلاميين و السادة النواب لا يراعون ما تمر به البلاد من أزمات كبيرة من ازدياد في معدلات البطالة ناهيك عن تفاقم الأعباء الاقتصادية على المواطنين و تدني مستويات المعيشة وازدياد حالة الفقر والجهل وتدهور حالة التعليم ! إنما يبدو أن كل ما يدور في أذهانهم هو موالاة النظام الحالي عن طريق لفت انتباه الرئيس السيسي لتغيير مواد الدستور الذي لم تفعل أغلب مواده إلى وقتنا هذا للمكوث في الحكم أطول مدة ممكنة وشغل المواطن و الرأي العام بما يتنافى مع ما نمر به من أزمات !
كما أن أزمة الخوف من العبث بالدستور و التي سادت الساحة المصرية الآن تتزايد هي الأخرى بين جموع المواطنين, حتى أن الكثيرين من مثقفي مصر بدأوا بجمع التوقيعات على السوشيال ميديا و خصوصا على الفيسبوك ليعبروا عن استيائهم الكبير من هذه الفكرة المخيفة ورفضهم التام للإخلال بنصوص المواد الدستورية. وعلى ما يبدوا أن هذا يذكرنا إلى حد كبير بأزمة الإعلان الدستوري الشهير في فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي والذي كان من شأنه أن سبب غضبا جماهيريا كبيرا وأطاح بحكم الإخوان المسلمين.
وقد نلحظ أن التاريخ هنا يعيد نفسه، فقد وقع الرئيس الراحل محمد أنور السادات في هذا " الفخ " من قبل في عام 1980 م حين عدل مواد الدستور بما يضمن له البقاء في الحكم أطول فترة ممكنة، ولكنه اغتيل وجاء من بعده الرئيس محمد حسني مبارك واستفاد من التعديلات الدستورية الجديدة التي أضافها السادات ليطلق يده في الحكم كما يشاء . حتى أن الرئيس مبارك لم يكتف بأنه جلس على عرش مصر طيلة 30عاما، إنما صاغ مادة دستورية جديدة مفصلة تسمح له بتوريث الحكم بعده لولده "جمال".
ولأننا نرى بعض الإعلاميين و النواب يلمحون للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي بتعديل مواد الدستور المصري، فهذا من شأنه أن يضعه في نفس "الفخ "القديم الذي وضع فيه الرئيس السادات والمعزول مرسي وحتى الرئيس مبارك بما يقلل كثيرا من شعبيته ورصيده عند الشعب المصري وأيضا يزيد من غضب المواطنين ويبعث فيهم انعدام الثقة مع الحاكم , فالعقد شريطة المتعاقدين والدستور هو العقد بين الحاكم و الشعب. أما حين يدفع البعض الرئيس لتغيير هذا العقد فهذا ليس في الصالح العام تماما. وأن يكون تفكير البعض سطحيا الى هذا الحد بحيث يظنون أن تمديد فترة الرئاسة أو زيادة فترات الترشح هي الحل لجميع المشكلات دون التفكير في حل المشكلات الاقتصادية ومشكلات التعليم و البطالة وغيرها قد يؤدي بنا في النهاية إلى مأزق لن نخرج منه أبدا، وسندور في نفس الدائرة القديمة وسنظل على حالنا إلى ما شاء الله!
--------------------
بقلم: هبة أنور حزين