12 - 05 - 2025

بحبك ياحمار

بحبك ياحمار

وذو العقل يشقى فى النعيم بعقلِهِ.. وأخو الجهالةِ فى الشّقاوة ينعمُ ..الله يفتح عليك ياعم المتنبى والله كلامك زبد وبتجيب من الآخر ..من أجل ذلك سار على منوالك الكثيرون فقالوا (حيث تكون الجهالة نعيما ، فمن الحماقة أن تكون حكيما) ..لذا قررت أن أنحى عقلى جانبا، وألا أرهقه بالتفكير الممل، لأننى اكتشفت أننى أصبحت عليلا مهموما حزينا من الأرق والقلق والتحليل لواقع مرير، ومشهد مرتبك، ومستقبل غامض، فقلت أعيش الأيام المتبقية من عمرى بلا تفكير أو وجع دماغ، فالعقول الفارغة فى نعيم وراحة بال .

ومن هذه اللحظة الفارقة، سأجعل من الحمار قدوتى، وهل هناك أروع من ذلك الحيوان الصبور! الذى يحمل على ظهره أحمالا ثقالا لاطاقة له بها، لكنه مع ذلك يعيش فى راحة بال، لايفكر فى اقتصاد ولا سياسة ولا يحزنون، يعنى من الآخر.. عقله فارغ من الهموم والمشاكل، لذلك أنا احسده على حاله .

ومن كل قلبى أقول له : بحبك ياحمار ..بصراحة انت برنس ..منفض ومكبر دماغك من كل حاجة.. وحقك عندى ياكبير، فنحن أصحاب العقول لم نفطن إلى أن الإدلاء بصدق وإخلاص لوجهة نظر مخالفة فى هذا المناخ الملتهب، قد تودى بصاحبها فى غياهب المخاطر والمهالك، وذلك هو الغباء بعينه، بل اكتشفنا بعد خراب مالطه أننا ونتيجة لهذه الحماقة والغباء، أننا كنا مطية لأصحاب الهوى والمصالح، الذين وضعوا المغانم والمناصب نصب أعينهم، ولم يكن الوطن يوما فى بؤرة اهتمامهم... نعم ياصديقى الحمار.. نحن أغبياء، لأنه تم التلاعب بعقولنا ومشاعرنا على مدار عشرات السنين، ممن كنا نظنهم زعماء ورؤساء أحزاب وقادة فكر، ثم اكتشفنا أنهم مجرد حناجر صوتية كانوا يضحكون علينا، ويتدثرون بغطاء الوطنية والزعامة والخطب الرنانة، وسرعان مايلقون بها فى اول سلة قمامة، يحدثونك عن الفقراء والطبقة الكادحة، وهم فى ترفهم ينعمون، وبرغد العيش يهيمون .

وقديما قالوا المجانين فى نعيم، فلنجرب أن نكون كذلك، فلم الحزن والتعاسة وعدم راحة البال، ونحن نشاهد احلامنا تسرق امام أعيننا، ولانستطيع ان نحرك ساكنا، ولماذا نجهد عقولنا فى تفكير عميق، وهناك من يسد امامنا كل منافذ الأمل والخروج من هذا النفق المظلم، ولماذا نكتئب ونتألم على حال بلادنا التى تتزايد فيها معدلات الفقر، والبعض لديه الإصرار والعناد على أننا أصبحنا أحلى بلد فى الدنيا، وأننا لانعانى من أى مشكلات !!

لقد احسنت صنعا عزيزى الحمار، وأرجو أن تتقبل صداقتى، لننعم معا براحة البال، بلا عقل ينغص علينا عيشتنا، وهل أصبح للعقل قيمة أو وزن فى هذا الزمن الصعب، وما فائدته إذن! والمخلصون العقلاء يصرخون، فيذهب صراخهم أدراج الرياح، وتحذيراتهم المتتالية، لايلقى لها بالا، ودعواتهم المخلصة لتوحيد الصفوف تتوه فى دهاليز التعصب الأعمى والجنون والكبر والعناد. 

وإذا كان شاعرنا الجميل يرى أن : "لكلّ داء دواء يُسْتَطَبُّ به.. إلا الحَمَاقَة أعْيَتْ من يداويها"... فأقول له لقد تغير الحال، ودوام الحال من المحال، فالحماقة فى زماننا هذا، لم تعد سبة أو عارا تلاحق صاحبها، فكثير من الجهلاء يتصدرون المشهد الآن، والحكماء يتوارون خلف جدران الصمت إما خوفا أو قهرا، أو تجنبا للصدام .

حبيبى أبو صابر ( لقب من ألقاب الحمار ).. أريد أن أبوح لك بسر كبير، لقد اكتشفت أنا وغيري من غالبية المصريين من فلاحين وعمال وموظفين بسطاء - ممن لم ينضموا يوما لحزب أو تنظيم سياسى - أننا الوحيدون الذين نعانى فى هذا البلد منذ عقود، لايشعر احد بآلامنا، ولايستمع لأنيننا، ولا يكلف خاطره لمداوة جروحنا، وأن ماكان يسميها البعض (أحزابا)، كانت تتاجر بأحلامنا وآمالنا بشعارات رنانة جوفاء، وبعد هذه الفترة الطويلة عرفنا كم كنا حمقى ومغفلين، فلا تؤاخذنى يا أبو صابر، واسمح لى أن أتشرف بصداقتك، وان اعبر مشاعرى تجاهك أيها الكائن الجميل: بحبك ياحمار .

مقالات اخرى للكاتب

فتيات البحيرة واللغز المحير!