19 - 06 - 2024

عن خطاب الشيخ عبد الحي يوسف الموجه للبشير

عن خطاب الشيخ عبد الحي يوسف الموجه للبشير

عاتبني أصدقاء على ما اعتبروه مبالغة مني في الاشادة بخطاب الشيخ عبد الحي يوسف الموجه للرئيس عمر البشير، وانني بهذا انتصر لتيارات التشدد، أو لتديين السياسة. لذا قررت معاودة الكتابة ونشر تفريغ للكلمة، مرفقة بتوضيح نقطتين مهمتين:

- الأولى: أن الشيخ فزع عندما رأي صورة للقاء العلماء مع البشير، دون ذكر لمضمون اللقاء بما اعتبره متاجرة من السلطة باللقاء، فقرر بكل شجاعة ان يصعد على المنبر ويقول  للناس ماجرى في اللقاء لانه ببساطة منحاز الى الحق والى شعبه، مهما كانت كلفة هذا وتبعاته وهذا أمر يحسب له.

- الثانية : أنني حين كنت أشبه  الخطاب بـ "لاهوت التحرير" في أميركا اللاتينية لم أكن اتجاوز، فما الفرق بينه وبين " القس روميرو" الذي اعتبر ان الدين الحق هو ان يقف ضد الديكتاتور في السلفادور وقال  له (لا)، وظل يدفع الثمن ملاحقة واضطهادا حتى تم اغتياله ليتم دفنه بعد جنازة مهيبة شارك فيها 50 ألفا من أبناء وطنه، ما الفرق بينه وبين الخطيب المسلم الذي يقول للطاغية (لا) وينحاز للمظاهرات ولانتفاضة شعبه.

كما أن انتقاداتنا للأصولية الدينية، في جزء  أساسي منها، هو بسبب قبولها للتحالف مع الجنرالات والطواغيت والملوك، والاستبداد في مواجهة حق الشعوب في الحرية والديمقراطية، وفي  قطعها الطريق علي خطاب (عيش حرية –عدالة –اجتماعية) واستبدالها بعركة دينية دينية، وفي تبنيها لخطاب ديني نصوصي والزج به في السياسة، بما يحول المقدس الى مدنس ويحول المدنس (اكثر القرارات السياسية تخريبا) الى مدنس،  لكننا بالتاكيد مع خطاب ديني "قيمي" عمومي ينتصر لقيم الحرية والوطنية والعدالة والانحياز للناس ، ويواجه القمع والافقار والديكتاتوريات، هكذا كان "لاهوت التحرير " وكنائسه الذي واجه الديكتاتوريات الوحشية في اميركا، وهكذا التحمت حركات دينية (السنوسية والمهدية وحركة عثمان فودو) واحتضنت الجماعات الصوفية الحركات الوطنية، وبهذه الروحية ذهب جوزيف ستالين الى الكنيسة والنازي يدق ابواب روسيا في الحرب العالمية الثانية، وهكذا وقف عبد الناصر فوق منبر الازهر يقود معركته ضد التحالف الثلاثي الامبريالي في معركة السويس . 

قد يكون الشيخ عبد الحي بكلماته القليلة وملابساته لم يصل الى هذا الحد البعيد، لكنها كلمات في هذا الاتجاه، تستوجب التحية .  .

وهنا النص الكامل لخطبة الشيخ عبد الحي يوسف 

"أيها المسلمون عباد الله. إن موضوعا ماكنت أود أن أتكلم عنه في هذه الخطبة، لكني أجد نفسي مضطرا إلي ذكره، فقد نشرت صورة الليلة الفائته تخص لقاء جماعة مناهل العلم برئيس الجمهورية، وهذا حق، وكنا نرجوا أن يكون هذا اللقاء سرا غير معلن، وأن تكون النصيحة بيننا وبينه. 

أما وقد نشرت الصورة فلابد أن يعرف الناس حقيقة ما دار. كتبت نصيحة من نقاط معدودة وقرئت على رئيس الجمهورية في هذا الحوار وسلمت له يدا بيد، ثم أتيح الكلام فتكلمت أنا في سبع نقاط هي:

  1. أن الدين أبقى من الاشخاص، فإذا تعارضا فليذهب الاشخاص .
  2. هذا الشعب محب للدين، وما أخرج الناس إلا المسبغة والجوع والشعور بالظلم. فالدولة ليست مسؤولة عن رفاهة الناس، لكن الدولة مسؤولة عن إقامة العدل بينهم، وعن أن يشعروا أنهم سواء، ليس هناك من يتمتع وهناك من يجوع ، من يبيت طاويا ومن يبيت متخما.
  3. إراقة الدماء حرام، والدولة مسؤولة عن كل دم يسفك، والله جل جلاله قال "ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما". وأن عمر بن الخطاب رفض أن يغزو البحر رغم كثرة إلحاح، وكان يقول إن مسلما واحدا أحب إلى من الروم وماحولها. كل قطرة من الدم سائلهم الله عنها
  4. لا بد من محاسبة المسؤولين المقصرين الذين أفضوا بالناس الى هذا المآل، أفضوا بالناس أن لايجدوا قوت يومهم، أن تضيق عليهم أرزاقهم، أن تشح أقواتهم، لا بد من محاسبة هؤلاء.
  5. المال العام لابد من كف  اليد عنه، لابد أن يرى الناس إجراءات حاسمة وحلولا سريعة من أجل أن تطمئن قلوبهم إلى أن مالهم لايسرق، وأن ثرواتهم لاتنهب، وان المال ليس "دولة" بين فئة بينهم.
  6. لابد من تطييب  خواطر الناس بالوعد الصادق والكلام الطيب فإن الله عز وجل يقول "وقولوا للناس حسنا"، لاتستفزوا مشاعر الناس ولاتؤذوهم، ولا تقولوا لهم هجرا من القول، ولاتنطقوا زورا فان هذا جزاء لايليق.

(لا خيل عندك تهديها ولامال، فليسعد النطق إن لم يسعد الحال).

إن الكلام الذي قيل لرئيس الجمهورية، ومن نشروا الصورة يملكون تسجيلا للكلام الذي قيل، وأنا مضطر لأن أقوله على المنبر.  

مقالات اخرى للكاتب

نعم ..





اعلان