18 - 04 - 2024

إرهاب مَّن يا أستاذ نوح؟

إرهاب مَّن يا أستاذ نوح؟

"ردا على إرهاب سوزان حرفي" هكذا عنون استاذي العزيز "مختار نوح" رده على مقال "عملية تغيير الدستور" المنشور بموقع "المشهد" 8 يناير والذي بناه على أساسين أولهما وسم المعارضة بالإرهاب والديكتاتورية، وثانيهما اقراره بأن هدف ما يسميه "تعديل الدستور"هو إبقاء السيسي بوصفه "الرجل الصالح"في الحكم؛ ليكمل نهضة بدأها وتقف المعارضة عائقا أمام استكمالها!

وأشكره على رده وعلى أنه جاء بالموضوع من أخره، وهو معافى من الرد على سؤال أي قيمة لمصر تاريخا وحضورا وشعبا وإمكانات؛ إذا كل ذلك مرهون ببقاء شخص معين في منصب محدد، كما لن أخوض في الدستورولا في تقييم حجم وطبيعة (الإنجاز) الاقتصادي وبنيته وأثره، فقد كفى في ذلك قامتان كبيرتان بحجم الدكتور "كمال الهلباوي" عضو لجنة الخمسين؛ والخبير الاقتصادي العميق الدكتور "عبد الخالق فاروق".

لأقف عند اتهام المعارضة بالإرهاب، فذلك قول عظيم وأنت استاذي العزيز خير العارفين، فكم من حرب باسم مواجهة الإرهاب قامت وقضت على دول، وباسمها تنكل إسرائيل بالمقاومة وبحق الفلسطينيين في التحرر، وبها يتم تمزيق سوريا، وتحت رايتها يتم قمع شعوب وتكميم أفواه دون تفرقة بين من يحمل سلاحا ومن يعترض بكلمة.

فعن أي إرهاب تتحدث وإرهاب من لمن، فمن يملك أدوات الإرهاب هو النظام، ولا يتوانى عن استخدامها، ويتحرك وفق شروطه هو، فيضج بأي صوت معارض، ويستبعد كل مخالف، ويتعامل مع الشعب كأنه في معسكر عليه التحرك بالأمر والنهي، كما يحتكر المنابر ويغلق منافذ التعبير سياسية وإعلامية.

فكم من الصحف الخاصة والحزبية يمكن أن يمر عليها مقال رأي ولا يتخطى مكتب مسئولها للنشر، وكم من مديري قنوات ورؤساء تحرير ومقدمي برامج تم استبعادهم لا لشيء إلا أنهم نطقوا بانتقاد الوضع العام، أو خالفوا بعض توجيهات الأجهزة الأمنية لهم أو لقنواتهم.

وكم من ملاحق لأنه اعترض على سياسات وقرارات، ومن أبواب رزق أغلقت، ومعارض تم استهدافه بالتجريح والاغتيال المعنوي والتعرض الفج لشخصه ولعائلته، وكم من أبواب للتحقيقات والقضايا والسجون فُتحت، ما دفع بالكثير من المعارضين لتجنب السياسة وما فيها حتى حين.

إذا كانت المعارضة موقف له فخامة موروثة كما تقول، فثمنها لم يعد يوازي فخامة ثوبها، فمن يتصدى لها يلقى أثاما، ويقع بين إرهابين؛ إرهاب السلطة وإرهاب التنظيمات الإسلامية الذي نواجهه جميعا.

ثم تصف المعارضة بالإرهاب! وأربأ بك استاذي العزيز؛ وأعلم أن اتهامك هذا ليس استدعاء لأجهزة السلطة لمزيد من التنكيل بمعارضة كانت بالأمس شريكة وداعمة للنظام وجزءًا أساسيا في حملته الانتخابية الأولى، واليوم تعبر عن موقف مخالف لكنه يلتقي على خلفية مصر والوطن.

أما تأكيدك بأن المعارضة برفضها تكون في الموقف الخطأ، وتكرر خطيئة مبايعتها للإخوان بـ"فيرمونت"، فأؤكد لك أني ممن لم يبايع ولم يمنح "مرسي"صوته في أي من جولتي التصويت، لكن بغض النظر؛ فمن أتى بالإخوان للسلطة ليس مبايعة المعارضة، وإنما أصوات الأغلبية التي تطالب بالاحتكام لها الآن، والمثقفون هم من قادوا التغيير وبشروا به وخرجوا له بـ30يونية في حماية ودعم جيش مصر ومؤسساتها، ولتجنب هذه الاختيارات الخاطئة والتجارب الأليمة؛ كان من المفروض وضع التعليم والصحة والحريات في أولوية اهتمام أي نظام يستهدف النهضة.

فنهضة مصر يا سيدي تأتي ببناء الإنسان، بإعلاء مستوى الأغلبية إدراكا ووجودا وتحررا، بفتح مجالات التقدم أمام الجميع، بعدم احتكار السلطة والحقيقة معا، ونقيض ذلك يعني إبقاء الداء على حاله بلا دواء، فالاستثمار في البشر قبل الحجر هو ما يصنع نهضة مصر، ويجعلها منيعة ضد أي اختراق.

استاذي العزيز تقطع بأن المعترضين يمثلون أقلية قليلة، والسؤال لما كل هذا القلق من التعبير عن رأيها، ولما يتم إغلاق كل المنافذ أمام صوتها! ولماذا يتم تسويق التغيير على أنه رغبة نابعة من إجماع شعبي لا يساوره اعتراض، وتفويض جديد مقطوع بأمره!

وتضرب مثلا لما احتكم إليه النائب "هيثم الحريري" في استفتائه على "تويتر" الذي شارك فيه حوالي 45 ألف، ولم تذكر نتيجة نفس الاستفتاء على "فيس بوك" التي جاءت على النقيض، لكني في المقابل لن احتكم إلى "وسم" يطالب السيسي بالرحيل ولا بكم مليون يحظى، فعمل اللجان الإلكترونية من الطرفين أبعدت وسائل التواصل كقرينة على هذا أو ذاك.

أخيرا لك استاذي الكريم أن تعتقد أن بقاء السيسي لصالح الوطن، ونعتقد نحن العكس، لكن يبقى بيننا دستور جاء به وعلى الجميع احترامه لا العبث به أو تغييره، نعم هي عملية (تغيير) وليس (تعديل)، فالتعديل يدخل على الشيء فيتم ما نقص فيه ويزيده ميزات، ولقد حسم الدستور الحالي شرط تعديله بمزيد من ضمانات توازن السلطات، وزيادة الحقوق والحريات، أما المبتغى الأن فهو انتقاص من ذلك كله، وردة لما كان قبل الثورة، وهو ما يرقى لمستوى الجريمة، جريمة تتجاهل دماء شهداء وتضحيات شعب، وتقضي على بقية أمل بأن الغد قد يحمل رياح تحمل شعارات الثورة "عيش، حرية، عدالة اجتماعية" من جديد.
-------------------
بقلم: سوزان حرفي


مقالات اخرى للكاتب

حلمي الجزار وهيئة منير وصراع الإخوان.. الشرعية لمن!





اعلان