أيام قليلة، وتهُل علينا ذكرى أيام، هي من أعظم أيام هذا الوطن، تلك الأيام التي استنشق فيها، أبناء مصر بعضا من نسائم الحرية.. إلا من قد آبى.
فبعد ثلاثة عقود من القهر، والظلم انتفض أبناء مصر، انتفاضة أذهلت العالم بأسره، على من طغى عليهم، وتجبر.
إنها ذكرى ثورة 25 يناير، تلك الذكرى التي أثبتت للعالم، أنه مازال هناك قلب، ينبض بالأمل على أرض المحروسة، وأن هناك شعب لا يقبل الظلم، والقهر مهما طال الوقت، وأنه كالليث الهصور حينما يغضب.
لكن للأسف لم يهنأ المصريون بثورتهم، بعدما انقضت عليها جماعة الإخوان الإرهابية، التي لا يعنيها شيء في هذه الدنيا، إلا تحقيق مصالحها، وأهدافها، وليتها عملت من أجل صالح الوطن، والمواطن، ولم تسع لتحقيق مآربها، التي طالما حلمت بها، والتي كبدت مصر الكثير، والكثير من الخسائر.
لم تكن الجماعة الإرهابية فقط، هي التي انقضت على أحلام المصريين، بل تربص بها كل أصحاب المصالح، كمن كان يُطلق عليهم النخبة، وكذلك ذوي الأحزاب الكرتونية، وكذا أصحاب رؤوس الأموال المنهوبة، والتي تم حصدها من قوت هذا الشعب.
كل أولئك الذين لم تعنيهم تلك الدماء الطاهرة، التي أريقت من أجل مصر، لا من أجل شيء آخر، فسعى أولئك المنتفعون، لتحقيق أحلامهم، بأي وسيلة، ولم يعبأوا بكل التضحيات التي قدمها، أنبل من أنجبت مصر، فراح كل منهم يسعى لتحقيق ما ينفعه، دون اكتراث لتلك التضحيات، التي سُجلت في التاريخ، بأحرف من نور.
وبرغم كل تلك التضحيات التي لا تُقدّر بثمن، لازال البعض يرد الجميل، ممن ليس لهم في ذاك المشهد، ناقة ولا جمل لهؤلاء الأبطال، بالإساءة لهم، ولثورتهم التي لو لم تتكالب عليها الضباع، لكان لمصر شأن آخر، وللأسف كالوا لأعظم ثورة حدثت في التاريخ المعاصر لمصر، أبشع الاتهامات، وهم نفسهم الآن الذين يقولون.. أين أيام مبارك!!
منطق غريب، وأمنيات عجيبة لا تستقيم، مع العقل، وتدل على مدى ما وصل إليه البعض من اضمحلال، في الفكر الثقافي، والغيبة عن الواقع، وأقول لهؤلاء الذين لم يقرأواالتاريخ..
أيها الأفاضل لم يحدث أن هناك ثورة قد قامت، وحققت أهدافها بين ليلة، وضحاها، فالثورة الفرنسية على سبيل المثال، لم تحقق أهدافها،
إلا بعد (85)عاما، ولو قُدّر لثورة 25 يناير، أن تحقق أهدافها، دون أن تتكالب عليها الضباع، لكانت هي أول ثورة في التاريخ، تحقق أهدافها حال قيامها.
يحسب لتلك الثورة العظيمة، أنها كانت ثورة بيضاء، قدمت أرقى معاني الانتماء للوطن دون أي مزايدة، ودون مصلحة بعينها، سوى رفعة ذلك الوطن، فحينما خرج الأحرار بمختلف طوائفهم، لم يخرج أي ثائر حقمنهم، لهدف سوى أن ينال هذا الشعب حريته، وأن يستعيد كرامته، ولم يخرج لمنصب، أو جاه..
إنني أتحدث عن الثائر الحق، الذي لم يُخرّب في منشآت بلاده، والذي قدّم الورود لخير أجناد الأرض، والذي دافع بروحه عن آثار مصر، بالمتحف المصري، والذي قام بتنظيف الشوارع، والميادين، والذي جاد بروحه، في سبيل إعلاء قيم الحرية، والمساواة بين أبناء هذا الشعب العظيم.
سيقول قائل: وما الدليل على صدق هذا الحديث.. هل اطلعت على نوايا أولئك الثوار؟
والرد لا يحتاج إلى كثير من الفطنة، لأن الإنسان الذي يخرج من بيته، وهو يعلم أنه قد لا يعود إليه مرة أخرى، لن يخرج منه إلا لهدف أسمى، وأرقى من أي مصلحة.. فما فائدة المنفعة، أو المنصب، أو الجاه، أو أي مأربة أخرى لأي إنسان، حينما تُزهق روحه؟؟!!
إذن لابد أن هناك هدف أعلى، وقيمة أرقى، وجزاء أوفى، يستحق أن يبذل الثائر الحق روحه في سبيله.. فإما أن ينال.. (العيش – الكرامة – العدالة الاجتماعية)، وإما أن ينال الشهادة، وذاك هو الجزاء الأوفى.
أما من كانت لهم منافع، ومآرب أخرى، فالتاريخ كفيل بهتك أستارهم، دون شك.
لقد قدمت ثورة 25 يناير، أروع ملاحم الوحدة بين المصريين، حينما قام المسلمون بحماية الكنائس بأجسادهم، أثناء الثورة، وحينما قام أبناء ورفقاء وشركاء الوطن، إخوتنا المسيحيون، بحماية المصلين بأجسادهم، في الميدان أثناء اقامة الصلاة، وظهر الصليب معانقاً المصحف، في مشهد راق، يعجز القلم عن وصفه.
وتآخى المصريون مسلمون، ومسيحيون في كل شيء، حتى في الشهادة، ففي الوقت الذي استشهد فيه، الشيخ عماد عفت، لحق به مينا دانيال رحمة الله عليهما، وكأنه لا يريد أن يفارق أخيه.
صور كثيرة رائعة، قدمتها لنا تلك الثورة العظيمة، لا يتسع المقال لسردها، لكن التاريخ قد سجل كل تلك الملاحم الرائعة، التي هي ليست بالجديد، على شعب مصر العظيم.
فتحية واجبة عاطرة لكل من:
- شهداء الوطن في كل مجال.
- لكل ثائر حق جسّد أروع النماذج في حب الوطن والفداء من أجله.
-رجال القوات المسلحة.. عنوان التضحية، والفداء، والشرف أولئك، الذين ضحوا، ومازالوا يضحون بأنفسهم، من أجل الحفاظ على مصر وأبنائها.
- لكل أب وأم قدموا أبنائهم هدية غالية لمصر.
- لكل مخلص، وعاشق لتراب هذا الوطن العظيم.
كل عام وحضراتكم بخير. ورحم الله شهداء الوطن، وأسكنهم فسيح جناته، وجزا الله عنا كل من حلم، وساهم أن ينال شعب مصر العظيم.. العيش.. الكرامة.. العدالة الاجتماعية. و(عين الله لا تنامِ)
----------------
بقلم: مـحمــد نـــور*
*رئيس النادي الثقافي للمبدعين المصريين
[email protected]