26 - 04 - 2024

طالبة "الحضن" .. وعقوبة الخدمة المجتمعية

طالبة

عندما قرأت خبر الحكم على الطالبة التى اشتهرت اعلاميا بطالبة "الحضن" بالفصل من الجامعة راودنى هذا السؤال  .. 

أما آن الأوان أن نغير بعض العقوبات لتتلاءم مع العصر بدلا من ذبح الشباب بسكين بارد وتضييع مستقبلهم بسبب مخالفات سلوكية قد يكون  المجتمع هو الذى فرضها عليهم فرضا وحاصرهم بها من كل اتجاه، بإعلامه المترهل، وفنه المتردى، وثقافته المشوشة، وتعليمه المتراجع، ومؤسساته الدينية المتخاذلة عن القيام بدورها فى تقويم السلوك الإنسانى .. أما آن الأوان أن يستحدث القائمون على التشريع فى بلدنا عقوبة جديدة ترتبط بالخدمة المجتمعية.

 فمع تطور العصر بدأت تظهر مخالفات للعرف والعادات والتقاليد وأحيانا للقانون لا ترقى لدرجة الجريمة ولا تستوجب الحجز مع البلطجية والمجرمين أو الحبس فى زنزانة واحدة مع تجار المخدرات وعتاة اللصوص، لكنها تحتاج لعقاب ملائم ورادع لمرتكبها يحميه ويحمى المجتمع من الانهيار الأخلاقى. 

فمنذ شهور شاهدنا المدرس الذى أهان الطالبة بسملة بلفظ عنصرى عن بشرتها السمراء وهو مقيد اليدين ومحتجز بأحد أقسام الشرطة بعد تحول حكاية بسملة لقضية رأى عام، ولا شك أنه أخطأ فى حق الطالبة، ولكن للأسف عالجنا الخطأ بخطأ أكبر منه،  فالصورة التى تداولتها الصحف والمواقع الإخبارية للمدرس وفى يديه "الكلابشات" بالتأكيد سببت له ولأسرته ولمهنة التعليم بشكل عام إهانة بالغة.. ولو أن الشئون القانونية بوزارة التربية والتعليم عاقبته بتكليفه إعطاء دروس مجانية لعدد من الطلبة لمدة عام دراسى كامل لكانت العقوبة رادعة ومستحقة وغير مهينة.

ولو أن طالب وطالبة "الحضن" اللذين سلكا سلوكا خارجا وغريبا على جامعاتنا، تم الحكم عليهما بتنظيف الجامعة ثلاث ساعات يوميا لمدة شهر، أو تكليفهما بمحو أمية عشرة من الرجال والنساء،  بدلا من فصلهم من الجامعة وتضييع مستقبلهم لكان حكما رادعا يتعلمان منه كيفية احترام الحرم الجامعى.

 ما أقوله ليس بدعة لكنها طريقة حديثة فى العقاب دون تدمير المخطئ تتبعها العديد من البلدان،  فعلى سبيل المثال فى لبنان حكمت قاضية تدعى "جوسلين متى" على ثلاثة شبان مراهقين بحفظ أجزاء من سورة آل عمران بدلا من الزج بهم فى السجن وذلك بعدما أهانوا السيدة مريم العذراء، استندت القاضية فى حكمها الذى يعد الأول من نوعه إلى رغبتها فى تعليمهم تسامح الدين الإسلامى ومحبته للسيدة مريم العذراء عليها السلام، وقد لقيت العقوبة استحسانا وإشادة من المجتمع اللبنانى. 

وفى الولايات المتحدة قام رودي جولياني حين كان عمدة نيويورك بمعاقبة الشباب الذين يخربون قطارات نيويورك برسومات الجرافيتى عن طريق الحكم عليهم بدهان القطارات بألوان جميلة فكان الجزاء من جنس العمل.

أما فى الامارات فقد تم إدراج عقوبة الخدمة المجتمعية في بعض أحكام الجنح بديلاً عن عقوبة الحبس الذى لا تزيد مدته على ستة أشهر أو الغرامة.. وقد حكمت محكمة أبو ظبى على أحد الشباب بتنظيف الطرق والميادين العامة لمدة ثلاثة أشهر، بالإضافة إلى تغريمه 17 ألف درهم وسحب رخصة قيادته لمدة ثلاثة أشهر، وذلك لقيامه باستعراضات جنونية خلال قيادته سيارة بدون لوحات.. كما تم معاقبة شباب يقومون بالتفحيط بالسيارة أو ما يطلق عليها فى مصر "الخمسات" بتنظيف الشوارع ٤ ساعات يوميا لمدة شهر،  وكانت هذه العقوبة كفيلة باختفاء ظاهرة التفحيط من شوارع الإمارات  .. 

الأمثلة كثيرة والعالم ملئ بالتجارب التى يجب أن نحتذى بها إذا أردنا لبلادنا تقدما، علينا أولا أن نعترف أننا أصبحنا فى حاجة ماسة لوضع استراتيجية متكاملة لتقويم سلوك الشباب وإنقاذه من حالة الانهيار الأخلاقي التى يمر بها، يشارك في وضعها اكاديميون وتربيون ومثقفون وفنانون وإعلاميون ورجال دين بالإضافة الى عدد من نواب البرلمان ورجال القانون .. على أن تتضمن هذه الاستراتيجية خططا للنهوض بالسلوك المجتمعى وتقويمه ،  واستحداث عقوبات جديدة تفيد المجتمع وتردع المخطئ وتهذبه.
------------------
بقلم: سحر عبدالرحيم

مقالات اخرى للكاتب

اتفاقية أوكوس وتغيير موازين القوى





اعلان