السياحة صناعة وفن ،لاتقل أهمية عن أى صناعة اخرى ، بل إن دولا عديدة فى العالم تعتمد عليها كمصدر وحيد ورئيسى لدخلها القومى.
و تتنوع السياحة مابين: التاريخية ، والتراثية ، والثقافية ، والترفيهية ، وسياحة المعارض والمؤتمرات ، والسياحة الدينية ،و العلاجية والرياضية ، وغيرها من أنواع السياحة .
ولم تعد أنواع السياحة التقليدية هى المسيطرة على الساحة الدولية ، بل ولدت انواع أخرى على يد خبراء السياحة المبدعين والمجددين .
استثمر خبراء السياحة فى العالم الظواهر الكونية الفريدة أو العجيبة ، و البطولات الرياضية، أحسن استثمار للترويج للسياحة فى بلدانهم ، ولم يفوتوا الفرصة لتضخيم هذا الأحداث والفعاليات من خلال دعاية إعلامية غير مسبوقة ، وليس شرطا أن تكون مدفوعة الأجر ، كما نفعل فى الترويج لكثير من فعالياتنا السياحية والتى يرصد لها مئات الملايين !!.
يكفى أن يتم تناقل الخبر - بشرط ان يكون الحدث فريدا - عبر وكالات الأنباء العالمية ، ليتم تداوله فى كل بقاع العالم فى دقائق بل فى ثوان معدودة.
ومع أن مصر تحظى بكل مقومات صناعة السياحة العالمية ، وتنفرد بأنواع عديدة منها لاتتوافر فى أى بلد فى العالم إلا اننا مازلنا فى ذيل بلدان العالم التى تحقق دخلا هائلا من صناعة السياحة.
قد يقول قائل أن مصر مستهدفة من الارهاب وأن ذلك قد ترك أثرا لايمكن إغفاله ،تسبب فى تراجع صناعة السياحة وعدم تحقيقها للمردود المتوقع، كمصدر مهم فى الموازنة العامة والدخل الوطنى ، أنا أوافق جزئيا وليس بشكل كامل على هذا الطرح ،فدول عديدة عانت من الإرهاب كفرنسا وألمانيا لم تتأثر كثيرا ، ودولة مثل تركيا التى ضربها الإرهاب فى العمق أكثر من مرة وتشهد حدودها حروبا ومناوشات عسكرية لاتنقطع ، لم تتأثر فيها صناعة السياحة بشكل كبير.
المشكلة أن إدارة صناعة السياحة فى مصر لم ترتق بعد إلى المستوى المأمول ، نحن فى حاجة إلى مبدعين لاموظفين يعرفون كيف يجعلون من ( الحبة قبة ) ، وإن كان لدينا من القباب مايغنينا عن الحب، ونملك من التنوع السياحى الكثير الذين يمكن الاعتماد عليه فى إثراء صناعة السياحة فى مصر .
هل تصدق أن شيفا تركيا مشهورا اسمه ( بوراك ) أصبح بمفرده محورا وعاملا من عوامل الجذب السياحى فى تركيا من خلال استعراض دعائى مدروس لأكلاته الشهية وحركاته الغريبة !!
هذا الشيف التركى يتابعه الملايين عبر شبكات التواصل الاجتماعى ، ويذهب الرؤساء، ومشاهير الفن والرياضة ورجال الأعمال لتركيا خصيصا ، ليس لمجرد تناول أكلاته الشهية بل لمشاهدة طريقة تقديمه لصنوف الطعام المختلفة الشرقية والغربية منها التى ( تفتح النفس ).
أين نحن من ذلك كله ، ولدينا العديد من الطهاة المصريين المرموقين على المستوى العالمى ، والذين يزينون موائد الدنيا بأكلاتهم المبهرة ، والتى إذا ماتم تسليط الضوء عليهم إعلاميا عبر شبكات التواصل ،من الممكن أن يكونوا مصدرا مهما من مصادر الجذب السياحى لمصر.
السياحة لم تعد مجرد زيارة لمشاهدة المعالم التاريخية والثقافية والحضارية ، بل باتت منظومة متكاملة تعتمد فى نجاحها على الخدمات المساندة لها من مطاعم ،ومرافق ، وطرق جيدة ، أوحتى وجوه بشوشة تستقبل الزائرين ، وليس كما يدعى البعض بالانفتاح والعرى والتخلى عن قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا ، فقد سئم السياح خاصة ممن هم من غير العرب فى بلدانهم من العرى والجنس !!، جاءوا لبلادنا ليروا أشياء مختلفة لاتوجد فى بلادهم ، أتوا ليغذوا أرواحهم السقيمة بفعل طغيان المادة على كافة مناحى حياتهم بالاستمتاع بعبق التاريخ ودفء الحياة .
تنظيم مصر لكأس الأمم الإفريقية فى شهر يونيو القادم يعد حدثا استثنائيا قدم لمصر على طبق من ذهب ..حدث رياضى فريد سوف يتابعه الملايين فى شتى بقاع العالم ، ويجب استثماره سياحيا بكل الوسائل والطرق الممكنة ، والاستعداد له من الآن من خلال إعداد خطة سياحية متكاملة تشارك فيها كافة مؤسسات الدولة .
الاندية الاوروبية باتت تزخر بالكثير من اللاعبين الافارقة المرموقين أمثال محمد صلاح ، وساديو مانيه وغيرهم ، لذا فإن كأس الأمم الإفريقية سوف تجعل من مصر محط أنظار العالم ، وستصبح مصر قبلة للسائحين من إفريقيا وكل بلاد الدنيا الشغوفين بمتابعة كرة القدم ونجومها اللامعين .
يجب ألا نفاجأ قبيل إنطلاق البطولة الإفريقية أننا لم نستعد لتوظيف البطولة سياحيا بسبب الروتين المصرى العتيق ، او لانعدام التنسيق بين الهيئات والوزارات .
علينا أن نتعامل مع كأس الأمم الإفريقية كحدث سياحى ، وليس مجرد بطولة رياضية ، فما المانع من إقامة مهرجان للأكلات والأنشطة الثقافية والتراثية الإفريقية على هامش البطولة ، وما المانع من إقامة منتديات علمية للتعريف باهمية نهر النيل فى حياة الافارقة والمصريين ، وهكذا افكار غزيرة يتم الاستفادة منها على المستوى السياحى والاقتصادى بل والسياسى ..فهل نحن مستعدون ؟؟