فاجأنا عام ٢٠١٩ بجريمة مروعة أصابت كل المصريين بصدمة شديدة.. جريمة ذبح طبيب لزوجته وأولاده بدم بارد فى محافظة كفر الشيخ.
هذه الجريمة البشعة التى هزت المجتمع المصري بكل فئاته والتى تأتى ضمن سلسلة جرائم سابقة، تمثل جرس إنذار لكافة المؤسسات الأمنية والاجتماعية ومراكز البحوث النفسية لرصد مثل هذا النوع من الجرائم، ومعرفة أسبابه ودوافعه.
الأب الطبيب الذى ارتكب الجريمة ليس إنسانا جاهلا أومتوسط التعليم ، وأسرته من المفترض أنها ميسورة الحال أو على الأقل متوسطة الدخل، مما يعنى أن الفقر ليس الدافع الرئيسى للجريمة فى ظل ما تشهده مصر من ارتفاع فى معدلات التضخم وغلاء الأسعار.
كما لا اتصور على الإطلاق أن يكون دافع هذه الجريمة البشعة مجرد خلافات ومشكلات بين الطبيب وزوجته طبيبة التحاليل، أو كما يتكهن البعض - ممن يقذفون المحصنات بالباطل - بأن دوافعها أخلاقية.
الطريقة البشعة التى تمت بها هذه الجريمة مهما كانت دوافعها وأسبابها، وتجرد الطبيب من كل معانى الانسانية والرحمة، ومثلها جرائم أخرى تمت بنفس الطريقة البشعة خلال الشهور القليلة الماضية: كأن يتخلص الابن من أبيه بذبحه لأسباب تافهة! ، أو أن تتجرد أم من أمومتها، فترمى أبناءها من البلكونة، وقس على ذلك الكثير من الجرائم المروعة تبعث على القلق بل الرعب وتدعو إلى القيام بدراسات علمية متكاملة وعاجلة لبحث التغير الرهيب الذى طرأ على انماط وسلوكيات المصريين.
الانهيار الاخلاقى والاجتماعى الذى تشهده مصر يمثل منعطفا خطيرا يجب أن نتداركه بسرعة، وإلا فإن الأضرار الجسيمة لن تحمد عقباها.
لن أكون مبالغا إذا قلت أن الموضوع يتعلق بالأمن القومى المصرى، فمثل هذه الجرائم التى تتسم بالعنف المفرط الخارج عن سياق الفطرة والرحمة الإنسانية، تدعونا إلى الدراسة والتأمل ، فهل يعقل أن يذبح أب أولاده! أو أن تتخلص ام من أبنائها، إلا إن كان هناك خلل خطير قد أصاب البنية الاجتماعية لمجتمعنا المصرى!
لاينبغى أن ننظر إلى هذه الجريمة وغيرها من الجرائم المماثلة على أنها مجرد جرائم فردية، أو أنها لا ترتقى إلى مستوى الظاهرة، فما يحدث من جرائم فى مجتمعنا قد فاق كل التصور والخيال!
لا.. بكل تأكيد ليست هذه مصر التى نعرفها، مصر التى اعرفها أنا ويعرفها غيرى هى التى يوقر فيها الصغير الكبير، مصر التى يقدس فيها الأبناء آباهم وأمهاتهم ولايلقون بهم فى مثل هذا العمر فى مراكز المسنين حتى الموت، مصر هى التراحم والمحبة والتسامح والكرم والضيافة وحسن الجوار وإغاثة الملهوف.. قل ماشئت فيما كان يتحلى به المصريون من قيم نبيلة! ولا أدرى مالذى طرأ عليهم وبدل حالهم إلى مثل هذا الحال الذي لايسر عدوا أو حبيبا ؟
مايحدث الآن لايشى بالطمأنينة وراحة البال، بل يدعو إلى الاستنفار وتضافر الجهود من كافة المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدنى لرصد هذه الظواهر المخيفة ومعالجتها.
نريد مصر الجميلة النقية البهية الآمنة المطمئنة التى نعرفها .
-------------------
بقلم: محمد عويس