13 - 05 - 2025

دراما العلماء بين العطاء للوطن أوالهجرة

دراما العلماء بين العطاء للوطن أوالهجرة

قبل أبيب/ يوليو1952 تمتــّـع العلماء برعاية الدولة المصرية، فى الوقت الذى كانت مصر تحت سلطة وسيطرة المحتل البريطانى.. ولعلّ من أشهر النماذج د.على مصطفى مشرفة (يوليو1898- يناير1950) عالم الفيزياء الشهير ابن محافظة دمياط.. والذى وصفته بعض الموسوعات العلمية.. وبعض دوائر المعارف العالمية بأنه (أينشتاين المصرى) وعند الحديث عن نظرية النسبية لأينشتاين.. كان يـُـكتب فى الهامش: انظر د.على مصطفى مشرفة.. وعندما كان عمره لم يتجاوز 22 سنة، بدأتْ أبحاثة العلمية تشق طريقها إلى الدوريات العلمية العالمية.. وهذا مجرد مثال واحد من بين عشرات الأمثلة. 

وبعد يوليو 1952 بدأ مسلسل عدم الاهتمام بالعلماء المصريين، حتى الذين تـمّ اغتيالهم مثل يحيى المشد وسعيد بدير إلخ.. وآخر حلقات المسلسل ما قرأته عن العالم د. مصطفى السيد الذى تقدم بمشروع العلاج بجزئيات الذهب، إلى المركز القومى للبحوث، الذى عرض نتائجه على المسئولين بوزارة الصحة، بعد تجربته على الفئران الصغيرة.. وهى التجارب التى استمرتْ من 2008- 2013.. وردّتْ الوزارة بوجوب إجراء التجربة على الحيوانات الكبيرة للتأكد من فاعلية العلاج.. وبالفعل تـمّ إجراء الأبحاث على الكلاب والقطط الكبيرة، فى الفترة من2014- 2016.. وثبت أنّ نسبة الشفاء من سرطان الثدى والجلد ((مُـبشرة جدًا ودون أى آثار جانبية))..وتـمّ نشرهذه النتائج فى مجلة علمية دولية.. وبعد مرور سنة ونصف.. كتب المسئولون عن الملف أنّ الأبحاث ((غير كافية حتى تتم الموافقة على إجراء الأبحاث على المرضى من البشر)) 

ومع العراقيل والمُـعوّقات التى وُضعتْ أمام د. مصطفى السيد، اضطر للموافقة على مشروع ((دراسات اكلينيبكية لعلاج سرطان البروستاتا فى الولايات المتحدة الأمريكية)) وتم نشر هذه الدراسة فى كبرى المجلات العلمية الدولية، فى مجال المسالك البولية..وكان د. مصطفى السيد يتمنى أنْ تكون تجاربه فى مصر.. وأنْ يستفيد بها الشعب المصرى (ملخص الرسالة التى أرسلها د.أحمد صبرى عبدون (رئيس الفريق البحثى بالمركزالقومى للبحوث، ردًا على مقال الأستاذ صلاح منتصر الذى تساءل عن ((سر حرمان ملايين المرضى المصريين من علاج السرطان بجزئيات الذهب)) وأضاف فى مقاله الأخير أنه سوف يفترض أنّ العراقيل التى وضعتها وزارة الصحة.. كانت فى عهد الوزير السابق.. فلماذا تستمر تلك العراقيل والمُـعوقات من الوزير الحالى؟ إلاّ إذا كانت هناك (يد) فى وزارة الصحة لها مصلحة فى عدم استفادة المصريين من هذا العلاج (أهرام 19/12/2018)  

فلماذا يستمر مسلسل تجاهل العلماء المصريين؟ ويدفعهم إلى مغادرة مصر..وإهداء أبحاثهم ونبوغهم للأنظمة التى ترحب بهم.. وتــُـقـدّم لهم كافة المساعدات لإنجاز اختراعاتهم. فهل النظام المصرى لايعرف فضل العلماء على البشرية؟ 

فبفضل العلماء الذين وهبوا حياتهم لسعادة البشر، توصلوا لتقنية زراعة الأنسجة فى تكثير الخضراوات والفاكهة، و(تخليق) أشجار ممتازة دون اللجوء إلى البذور، التى كثيرًا ما يعجز المزارع عن الحصول عليها.. وبفضل هذا الانجاز العلمى والتكنولوجى فلو تـمّ العثور على نخلة (واحدة) أنتجتْ بلحـًـا أكثر حلاوة من غيرها، فإنه يمكن (بتقنية زراعة الأنسجة) إنتاج ملايين النـُـسخ منها..وبفضل هذه التقنية يستطيع الفلاح زراعة هذه الأنسجة فى أرض بها نسبة ملوحة عالية أو فى موقع شديد الحرارة، فيتمكن من انتخاب الأفضل من الخلايا، بينما هذا الفلاح لا يستطيع ذلك بالطرق التقليدية (نظام الفسائل) وقد نجحتْ طريقة (زراعة الأنسجة) نجاحـًـا باهرًا فى نخيل الزيت الذى كان حتى وقت قريب لايتكاثر إلا بالبذرة. وقد طوّرتْ إحدى الشركات العالمية بإنجلترا تكنيك زراعة أنسجة هذا النخيل.. وأرسلتْ أولى شتلاتها للزراعة فى ماليزيا عام 1976، ليكون الإثمار فى عام 1978..وبزيادة فى (غلة الزيت) بلغت 30%.. كما نجحتْ تقنية زراعة أنسجة نخيل البلح.. وهذا يعنى زيادة ثمار المحصول وجودته.. وهذه التقنية الحديثة سوف تساعد على استنبات أنسجة (نبات الفانيليا) وأنسجة أشجارالصمغ، لإنتاج الفانيليا. 

وبفضل العلماء سواء فى علوم الفللك أوالذرة أوالتقدم الطبى وتقنياته، المُـستمـدّة من (علم الوراثة).. وبعد نجاح العلماء (منذ عدة سنوات) فى الانتهاء من (الخريطة الجينية).. وبفضل جهودهم التى استمرّتْ عشرات السنين، تمكــّـن فريق من العلماء الصينيين عن ((ولادة طفلتيْن مُـعـدّلتيْن وراثيــًـا)).. ووفقــًـا لما ذكره رئيس البحث (هى جيانكو) فإنّ الطفلتيْن (نانا) و(لولو) وُلدتا فى شهر(نوفمبر2018).. واكتسبتا (صفة جينية وقائية) حيث تـمّ تعديل وراثى أكسبهما مناعة من الإصابة بفيروس الإيدز.. وتـمّ التعديل باستخدام تقنية CRISPR للمرة الأولى فى العالم على البشر.. وذلك بعد حذف وإضافة الجينات بدقة شديدة، لتتناسب مع الهدف وهو (تخليق) الجين الوقائى (بمعنى إضافة وظيفة جديدة أو خاصية جديدة لجهاز المناعة)   

وتجاهل النظام المصرى لدور العلوم الطبيعية فى حياة البشر، ليس هو السبب الوحيد لطرد العلماء واللجوء للأنظمة التى تحترم جهودهم.. وإنما يُـضاف سبب آخر هو تغلغل الأصولية الدينية، فى (خلايا) مجتمعنا المصرى، فقد أعلن المتعصبون دينيـًـا أنّ الأطعمة المُحوّرة وراثيـًـا سوف تسبب السرطانات والحساسية للكثيرين.. وسوف تــُـقلل مقاومة الجسم وتضعف جهازه المناعى. يقولون هذا رغم أنّ ملايين البشر يستخدمون الإنسولين البشرى الذى أنتجته بكتريا مُـحوّرة بإضافة (جين بشرى) إلى مادتها الوراثية لإنتاج الإنسولين.. ويتجاهلون أمر حيوانات المزرعة المُـحوّرة وراثيــًـا بجينات بشرية، فأنتجتْ فى ألبانها (عقاقيرللبشر)    

وقد نجحتْ شركة أمريكية فى إنتاج طماطم اسمها العلمى (فلفريبفر) لاتختلف عن الطماطم المألوفة من الناحية الغذائية. لكنها تتميز بقدرتها على الصمود دون تلف بضعة أسابيع.. كما أمكن بفضل الهندسة الوراثية تغيير تركيب درنات البطاطس بجين منقول من بكتريا (كولاى) برفع كمية النشا بنسبة تصل إلى 20% ..كما أمكن تطوير أرز فى بذرة إنزيم لعلاج مرض التليف الكيسى وتطوير موز تحتوى مادة ثماره على (فاسكين الالتهاب الكبدى- B)..كما أجرى العلماء الأبحاث فى مشروع الجين الأزرق (بلوجين) وقد تمكــّـنتْ شركة (مونساتتو) بالفعل من تصنيع قماش أزرق من هذا القطن لايحتاج إلى صبغة.. كما أنّ لونه ثابت لايزول مع الغسيل.

وهكذا يتبيــّـن أنّ الإنجارات العلمية الحديثة هزّتْ الكثيرمن الثوابت التراثية، التى مضى عليها عدة آلاف من السنين..فهل تظل مصر معتقلة فى كهوف الماضى؟
-----------------------
بقلم: طلعت رضوان  




مقالات اخرى للكاتب

أين الدول العربية من التنافس الأمريكى الروسى؟